رأيت بعينى فوق ما كنت أسمع … وقد راعنى يوم من الحشر أروع
غداة كأن الأفق سدّ بمثله … فعاد غروب الشمس من حيث تطلع
فلم أدر إذ ودعت كيف أودّع … ولم أدر إذ شيعت كيف أشيع
ولما دخل مصر واختط القاهرة وكتب بالبشارة إلى المعز قال ابن هانئ:
تقول بنو العباس قد فتحت مصر … فقل لبنى العباس قد قضى الأمر
وقد جاوز الإسكندرية جوهر … تصاحبه البشرى ويقدمه النصر
ولم يزل معظما مطاعا، وله حكم ما فتح من بلاد الشام حتى ورد المعز من المغرب إلى القاهرة، وكان جعفر بن فلاح يرى نفسه أجل من جوهر، فلما قدم معه إلى مصر سيّره جوهر إلى بلاد الشام فى العساكر، فأخذ الرملة وغلب الحسن بن عبد الله بن طغج، وسار فملك طبرية ودمشق، فلما صارت الشام له شمخت نفسه عن مكاتبة جوهر، فأنفذ كتبه من دمشق إلى المعز وهو بالمغرب سرا من جوهر يذكر فيها طاعته ويقع فى جوهر، ويصف ما فتح الله للمعز على يده، فغضب المعز لذلك ورد كتبه كما هى مختومة، وكتب إليه:
«قد أخطأت الرأى لنفسك. نحن قد أنفذناك مع جوهر قائدنا، فاكتب إليه. فما وصل منك إلينا على يده قرأناه. ولا تتجاوزه بعد، فلسنا نفعل لك ذلك على الوجه الذى أردته وإن كنت أهله عندنا، ولكنا لا نستفسد جوهرا مع طاعته لنا».
فزاد غضب جعفر بن فلاح، وانكشف ذلك لجوهر، فلم يبعث ابن فلاح لجوهر يسأله نجدة خوفا أن لا ينجده بعسكر، وأقام مكانه لا يكاتب جوهرا بشئ من أمره إلى أن قدم عليه الحسن بن أحمد القرمطى، وكان من أمره ما كان وقتله.
ولما مات المعز واستخلف من بعده ابنه العزيز، وورد إلى دمشق أفتكين الشرابى من بغداد ندب العزيز بالله جوهرا القائد إلى الشام، فخرج إليها بخزائن السلاح والأموال، والعساكر العظيمة، فنزل على دمشق لثمان بقين من ذى القعدة سنة خمس وستين وثلثمائة، فأقام عليها وهو يحارب أهلها إلى أن قدم الحسن بن أحمد القرمطى من الأحساء إلى الشام، فرحل جوهر فى ثالث جمادى الأولى سنة ست وستين، فنزل على الرملة والقرمطى فى إثره،