للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهلك، وقام من بعده جعفر القرمطى فحارب جوهر، واشتد الأمر على جوهر، وسار إلى عسقلان، وحصره هفتكين بها حتى بلغ من الجهد مبلغا عظيما، فصالح أفتكين وخرج من عسقلان إلى مصر بعد أن أقام بها وبظاهر الرملة نحوا من سبعة عشر شهرا، فقدم على العزيز وهو يريد الخروج إلى الشام، فلما ظفر العزيز بأفتكين واصطنعه فى سنة ثمانين وثلثمائة، واصطنع منجوتكين التركى أيضا، أخرجه راكبا من القصر وحده فى سنة إحدى وثمانين والقائد جوهر وابن عمار ومن دونهما مشاة فى ركابه، وكانت يد جوهر فى يد ابن عمار، فزفر ابن عمار زفرة كاد أن ينشق لها وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فنزع جوهر يده منه وقال: قد كنت عندى يا أبا محمد أثبت من هذا فظهر منك إنكار فى هذا المقام، ثم حدثه حديثا سلاه به، ثم قال:

«لكل زمان دولة ورجال، أنريد نحن أن نأخذ دولتنا ودولة غيرنا. لقد أرجل لى مولانا المعز لما سرت إلى مصر أولاده وإخوته وولى عهده وسائر أهل دولته، فتعجب الناس من ذلك، وهأنا اليوم أمشى راجلا بين يدى منجوتكين، أعزونا وأعزوا بنا غيرنا وبعد هذا فأقول اللهم قرب أجلى ومدتى فقد أنفت على الثمانين أو أنا فيها».

فمات فى تلك السنة، وذلك أنه اعتلّ، فركب إليه العزيز بالله عائدا، وحمل إليه قبل ركوبه خمسة آلاف دينار ومرتبة مثقل، وبعث إليه الأمير منصور بن العزيز بالله خمسة آلاف دينار، وتوفى فى يوم الاثنين لسبع بقين من ذى القعدة سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، فبعث إليه العزيز بالحنوط والكفن، وأرسل إليه الأمير منصور بن العزيز أيضا الكفن، وأرسلت إليه السيدة العزيزية الكفن، فكفن فى سبعين ثوبا، ما بين مثقل ووشى مذهب، وصلى عليه العزيز بالله وخلع على ابنه الحسين وحمله وجعله فى مرتبة أبيه، ولقبه بالقائد ابن القائد ومكنه من جميع ما خلفه أبوه.

وكان جوهر عاقلا محسنا إلى الناس كاتبا بليغا، فمن مستحسن توقيعاته على قصة رفعت إليه بمصر: «سوء الاحترام أوقع بكم حلول الانتقام، وكفر الإنعام أخرجكم من حفظ الزمام، فالواجب فيكم ترك الإيجاب، واللازم لكم ملازمة الاحتساب، لأنكم