وفى يومها أرسل محرم بيك إلى طاهر باشا وكان حاكم الجيزة لجمع مال المقتولين من كافة الجهات، فجمعت، وكانت شيئا يفوق الحصر من خيل وحمير وجمال وبغال وأبقار وغير ذلك من الغلال، ونودى بالأمان لنساء المقتولين، وأن يرجعن إلى بيوتهن، وكن قد تشتتن.
وأنعم الباشا ببيوت الأمراء بما فيها على خواصه، فسكنوها، وجددوا فرشها مما نهبوه، وألبسوا النساء الخواتم مما سلبوه.
ولما رأى العسكر قد أكثرت من النهب، وتعدوا على بيوت الأهالى نزل وطاف بالبلد، وأمسك بعض المتعدين وأمر بقتله، وكذا أمر ابنه طوسون أن يطوف بحارات القاهرة، وأن يقتل كل من وجده على هذا الحال، ففعل، ولولا ذلك لنهبت البلد عن آخرها.
وانتهت هذه الحادثة على وفق مراده، وأطلق تصرفه بعد التقييد، ثم إن الباشا بعد ما أخلى الديار من أنفاسهم، أخذ فى النظر إلى حال البلد وما يلزم من الترتيبات والتنظيمات، وشرع فى تخليص القطر من الأوحال، التى ورّطه فيها سوء من تقدم من الحكام، إذ الباشا وإن كان متوليا عليه، لكن لم يكن قادرا على تعديلاته لما كان حاصلا من معاكساتهم، مع أنه كان غير غافل عن النظر فى كل حادثة، معمل فكره فى حل كل مشكلة، إلى أن اطلق تصرفه، وزال معاكسوه، فشرع فى الإصلاح على نهج مستقيم، وقوانين معتدلة، وجلب لقطره تجارات السعادة، وفعل ما أحيا ذكره، وأوجب شكره، وأسس بيت مجده، وجذب بزمام العدل رواحل سعده.
[[الحرب الوهابية]]
فرأى أن النظر للدولة العليّة أول واجب لتتميم مراده، لأنها كانت تودّ عزله عن مصر، فنظر إليها بعين الاعتبار، وسعى فى تنفيذ أغراضها، وبادر إلى امتثال مرسوماتها، فوجّه العسكر إلى الحجاز صحبة ابنه كما أشرت، وجعل بصحبته بعض العلماء كالشيخ المهدى، وكلّف السيد المحروقى بتجهيز طلبات العسكر، ونزل فرقة منهم بالمراكب، لسرعة الذهاب فسبقوا العساكر البرية، فوصلوا إلى ينبع البحر، وتلاقت هناك بجيش الوهابية.
فلم يكن إلا قليل، وانهزم العرب شرهزيمة، واستحوذت العساكر المصرية على متاعهم، ودخلوا البلد، واستولوا عليها.