للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يلبس ابنه طوسون السيف والخلعة اللذين حضرا برسمه من طرف السلطنة السنية حين تعين رئيسا للجيوش المسافرة للحجاز، فاختاروا له الساعة الرابعة من يوم الجمعة الخامس من صفر سنة ست وعشرين ومائتين وألف.

فلما كان يوم الخميس الرابع منه طاف الجاويشة فى الأسواق يعلنون بالموكب على حسب عوائد تلك الأزمان، وطافوا بيوت الأمراء وكبار العسكر، وزعماء المماليك على طبقاتهم بمنشورات الحضور إلى القلعة متجملين ليسيروا فى الموكب فى اليوم المقرر، فأخذ كل فى الاستعداد. وفى الوقت المعين وافوا القلعة، ولم يتأخر منهم إنسان.

وكان الباشا قرر فى نفسه الفتك بالأمراء ومحو آثارهم، فدبّر تلك الحيلة لاجتماعهم كى يستريح من شرّهم، ولم يظهر ذلك لأحد حتى كانت ليلة الجمعة فأسرّ ما صمّم عليه إلى حسن باشا الأرنؤودى وصالح قوجه وكتخدا بيك، فاستصوبوا ما رآه، وبات كل واحد يدبر أمره، فلما كان صباح الجمعة أسرّوا ذلك إلى إبراهيم أغا أغاة الباب، واتفقوا معه على ما يكون إجراؤه، كى لا يحبط عملهم، فيقعوا فيما لا يقدرون على الخلاص منه، فرتّبوا على حافتى المضيق الذى بين باب العزب والباب الأعلى ما يلزم من أتباعهم.

فلما انتظم الموكب تقدم عسكر الدلاة، ثم وليهم الوالى والمحتسب، ثم الأغا والوجاقية والألداشات ومن تزيّى بزيّهم، ثم الأمراء المصريون، ثم عسكر الرجّالة والخيّالة، ثم أصحاب المناصب. فلما سار الموكب، وجازت الألداشات من باب العزب، وانحصر الأمراء بين باب العزب والباب الأعلى فى المضيق، أمر صالح قوجه بغلق الباب الأسفل، وعرّف طائفة من جماعته بالمراد، فأرسلوا رصاص بنادقهم على الأمراء، وكذا أطلق عليهم من بحافتى الطريق، فدهشوا، وأرادوا الهرب فلم يتمكنوا لغلق الأبواب، والرجوع فلم يقدروا لضيق المكان وصعوبة المرتقى، فسلّموا أنفسهم للقضاء، وبقوا متحيرين إلى أن مات أغلبهم فى المضيق، كجاهين بيك وسليمان بيك البواب، وبعضهم تجرّد من ثقله ورجع، فمذ وافى الساحة الوسطى أدركه بها حمامه.

ونزل بعض العساكر، فاحتزّ رأس جاهين بيك وغيره وأتى بها إلى الباشا، فأعطى عليها البقاشيش، ثم داروا على من اختفى بجهات القلعة، فمن عثروا عليه قتلوه، وكذا قتلوا من كان جالسا مع كتخدا بيك، كيحيى بيك الألفى وعلى كاشف الكبير وأحمد بيك الكلارجى.

واستمر القتل من ضحوة النهار إلى العشاء.

ولما حصل لمن كان بالقلعة من الأمراء ما حصل تتّبع العسكر من كان منهم بالقاهرة والأرياف، فقتلوهم، إلا من فرّ إلى السودان، أو استتر حتى مات. ونهبت دورهم، وامتلكت الأرنؤود أموالهم.