بمصر وقتئذ إذ كان من عوائدهم أنهم إذا غضبوا على وال أرسلوا له من يهدده، فإن رجع إلى رأيهم ووافقهم على أغراضهم، وإلا أرسلوا له الطوباش فيذهب إليه فى هيئة غير معتادة راكبا حمارا، فإذا رآه العامة بهذه الحالة عرفوا ما هو بصدده، واجتمعوا حوله وتبعوه إلى القلعة، فيكون لهم هناك ضجيج وغوغاء، فإذا أدخل على الوالى قبّل الأرض بين يديه، ثم سلمه الأمر، وطوى طرفى البساط الذى هو جالس عليه، فيقوم من فوره وينزل إما إلى منزله، أو السجن أو القتل.
فكان كل من ولى مصر من هذا القبيل. ولا ينجو منهم من يد البيكوات ومشايخ البلد إلا القليل، لأنه إن أرضى البيكوات أغضب الدولة، وإن أرضى الدولة أغضب البيكوات، وإن أرضاهما أغضب الأهالى.
ولا تسل عما يكون خلال ذلك مما يغضب المولى-ﷻ-فأين ما كان فى ذاك الزمان مما نراه الآن، فقد أمن الخلق، واتسعت أسباب الرزق-خصوصا أيام أفندينا إسماعيل-وفقه الله لكل أمر جليل جميل.
[المدة السابعة]
٢٠٢ سنة من ذاك الزمن نزلت مدينة الفسطاط عن درجتها، وانحط قدر مدينة الإسكندرية انحطاطا كليا، وانفردت مدينة القاهرة بما كان لهاتين المدينتين من المزايا العلمية والسياسية، وصارت تتزين بالمبانى الفاخرة، إلى أن حصل حرب الصليب فى منتصف القرن الحادى عشر، الذى بعده اختلطت الأورباويون بالمشرقيين، وظهر صلاح الدين سنة ١١٧١.
فإنه فى القرن الحادى عشر من الميلاد، كانت أوروبا فى أرض الخمول، ولا دخل للمعقول فى أحوالها، وكانوا جميعا فى انقياد تام للديانة، تقتبس طباعها وأخلاقها وإدارة