قال المقريزى: هذا الجامع بشاطئ النيل من ساحل مصر الجديد عمره القاضى فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش باسم السلطان الملك الناصر حسن محمد بن قلاوون، وكان الشروع فيه يوم التاسع من المحرم سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وانتهت عمارته فى ثامن صفر سنة اثنتى عشرة وسبعمائه، وأقيم فى خطابته قاضى القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعى، ورتب فى إمامته الفقيه تاج الدين بن مرهف فأول ما صلى فيه صلاة الظهر من يوم الخميس ثامن صفر المذكور، وأقيمت فيه الجمعة يوم الجمعة تاسع صفر، وخطب عن قاضى القضاة بدر الدين ابنه جمال الدين.
ولهذا الجامع أربعة أبواب وفيه مائة وسبعة وثلاثون عمودا منها عشرة من صوان فى غاية السمك والطول، وجملة ذرعه أحد عشر ألف ذراع وخمسمائة ذراع بذراع العمل من ذلك طوله من قبليه إلى بحريه مائة وعشرون ذراعا، وعرضه من شرقيه إلى غربيه مائة ذراع، وفيه ستة عشر شباكا من حديد وهو يشرف من قبليه على بستان العالمة وينظر من بحريه بحر النيل. وكان موضع هذا الجامع فى القديم مغمورا بماء النيل ثم انحسر عنه النيل وصار رملة فى زمن الملك الصالح نجم الدين أيوب يمرغ الناس فيها دوابهم أيام احتراق النيل، وما برح هذا الجامع من أحسن منتزهات مصر إلى أن خرب ما حوله وفيه إلى الآن بقية وهو عامر، انتهى.
قلت: وقد زال هذا الجامع ولم يبق له أثر وموضعه الآن حوش كبير من وقف السادات يعرف بحوش التكية كائن عند فم الخليج بحرى سراى السادات التى هناك كما يؤخذ ذلك من كتاب وقفيتهم فإنه ذكر فيه: أن الحد القبلى للسراى المذكورة ينتهى بعضه للخلاء وبعضه للدرب القديم المعروف بدرب الحجارة وبعضه لمدرسة طيبرس العبدانى ولمقام الشيخ الجمل وباقيه لوكالة السمن، والحد البحرى ينتهى بعضه للخلاء وبعضه للتربة المعدة لدفن أموات المسلمين وبعضه للجامع الجديد ولقطعة الأرض الجارية وفى الجامع المذكور وباقيه لمطهرة الجامع المذكور، والحد الشرقى ينتهى للطريق السالك للخلاء وإلى باب مصر القديمة والكيمان، والحد الغربى ينتهى للطريق السالك منها لدار النحاس وبعضه للخربة الحادثة فى أوقاف أسيادنا بنى الوفا، انتهى.