وعلومهم وأسرارهم فى الدنيا والآخرة، ثم من بعده لذريته ونسله، وعقبه المقلدين لمذهب الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعى،
هكذا نص ذلك الشرط حرفيا، فأنت ترى أن أبوى سيدى نجم المذكورين فى هذه الوقفية هما بعينهما المذكوران بعمود النسب الشريف، ومعلوم أن الملك المذكور هو ابن أخى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأنه بنى بالفيوم مدرستين: واحدة للشافعية، وأخرى للمالكية، وأنه كان نائبا على الديار المصرية عن عمه السلطان صلاح الدين، وتوفى يوم الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان المعظم سنة ٥٨٧ هـ، ودفن بحماة، كما بسط ذلك المقريزى عند ذكر مدرسة منازل العز، وابن خلكان فى ترجمة الواقف الملك المظفر عمر، وأنت على ذكر مما أسلفناه فى ترجمة سيدى أبيض الوجه من مدحه جده المذكور أثناء قصيدته القافية، فلا نطيل بالإعادة.
وبما ذكر يتعين أن هذا البيت الصديقى قديم العهد بالديار المصرية، غير أننا إلى الآن لم نقف على أول من قدمها من ذلك البيت الكريم، وهذا بالنظر لبنى سيدنا عبد الرحمن الذين هم أعمدة هذا البيت، وإلا فلا ريب أن محمدا أخاه مدفون بمصر، وهو أول من قدمها من بيت الصديق، واليا من قبل عثمان-رضى الله تعالى عنهم-فلعل بعض بنى أخيه قد صحبه فى هذا القدوم، وإذا ثبت ذلك تعين أن هذا البعض هو أول قادم من هذا البيت.
وإليك نفحة عنبرية، من تراجم بعض الفروع الصديقية:
[تاج العارفين البكرى]
كان عالما فاضلا، مهر فى علم التفسير، حتى صار فيه فريد زمانه، ووحيد أقرانه، مع عذوبة اللفظ فى إلقاء الدروس والبلاغة، حتى فضل فى ذلك على سائر إخوانه، وكان مثريا، فكان يأتيه من مستغلاته ما يقرب من عشرة آلاف قنطار من السكر وما ينيف، على ذلك من الأرز وغيره، انتقل إلى دار البقاء فى ثالث صفر سنة ١٠٠٨، مرجعه من مكة المشرفة، فغسل وكفن وصلى عليه، وحمل فى محفة إلى مصر، ودفن عند مقام والده الشيخ محمد البكرى بزاويتهم، وعمره إذ ذاك ثمان وأربعون سنة، كذا فى الخلاصة صحيفة ٤٧٤ من الجزء الأول.