الغدر من أحواله، وتحقق ذلك إذ طلب منه الحضور عنده توقع على اسماعيل باشا، ومصطفى بيك - كبير الدلاة - فتوسطوا له عند الباشا، وتشفعوا فيه، فقبل شفاعتهم. ومن وقتئذ انكسرت حدة محو بيك، وأمسى فى قبضة الباشا، حيثما شاء وجّهه.
فلما رأى ذلك باقى الأمراء، بسطوا أكف الذل وخضعوا، فصفا الوقت للباشا، وأخذ يتصرف بالتؤدة فى أمور القطر.
ولم يبق من ينتقد أفعاله إلا أفراد قليلون، منهم الشيخ الدواخلى، فإنه بعد أن ولاه نقابة الأشراف، داخله الغرور، وصار يندّد على أفعال الباشا، ويقدح فى أموره، وتجرّأ على إبراهيم باشا فى مجلسه بما لا يليق فى حق أبيه، وكان يتهور على الأقباط، فأكثروا الشكوى منه، وتقدّم من المشايخ فيه محضر، فأرسله إلى الدولة، وعزله من نقابة الأشراف، وأشار بها على السيد المحروقى، فاستقاله منها فأقاله، واختار أن يكون فيها البكرى لاستحقاقه إياها، فولاّه الباشا، وألبسه العباءة، كما كانت عادتهم.
والتفت لإضعاف كل من شم فيه رائحة التمرد، فشتت الأرنؤود فى الحروب، وقتل المتمردة. ودخل تحت طاعته من كان يرى نفسه أعلى منه، كمن بقى من أتباع الأمراء المصريين بعد أن ذاقوا أليم الفاقة، فرضوا أن يتوطنوا مصر راضين أن يفعل بهم ما أراد، فقبلهم على أن يستخدم من يليق، ويرتب لمن لا قدرة له على الخدمة ما يختار، وأن لا يعطوا أرضا، فرضوا، وأجلى طوائف الدلاة.
وبالجملة عز تمام العز، بعد انتصار ابنه المرحوم سر عسكر على الوهابية، وإحضاره عبد الله بن مسعود أميرهم، سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف، وقد قتل المذكور بالآستانة، فكان افتتاح الحرمين الشريفين، من أعظم البواعث على علو قدره.
[[التفات محمد على للإصلاح الداخلى]]
ثم التفت إلى تنظيم القطر فقتل الأشقياء، وأمّن السبل، وسيّر التجارة برا وبحرا، وأمر بحفر ترعة الأشرفية، وهى المحمودية، لتسهيل التجارة وجلب المياه العذبة إلى ثغر الإسكندرية، والاستراحة من طريق رشيد لكثرة الخطر بها، وعيّن لعملها مهندسين من الفرنساويين وهما: كوستاوماسى.
وفى سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف كانت الفرضة على المواشى، وأخذ فى تطهير الترع، وإنشاء الجسور، وترميم القناطر. ولكن لما يحتاجه من الأموال، وعلمه بأن