وأيضا فإن غالب رؤساء العصبية انضمّ إلى الباشا، ولم يزل صالح قوجه مصعدا خلف إبراهيم بيك وجماعته إلى أن أجلاهم عن الإقليم، فدخلوا بلاد النوبة، وأقاموا بها.
[[الاستعداد للحرب الوهابية]]
وفى خلال ذلك كانت الفتنة قائمة فى الأقطار الحجازية بسبب ما فعله الوهابى بتلك الجهة، لأنه عاث فيها كالذئب فى الغنم، وقتل وسلب وسبى ونهب وهتك حرمة الحرمين الشريفين، ونال أهل البلدين من ضرره ما لا مزيد عليه، حتى هاجر كثير منهم إلى مصر والشام، وما جاورهما من البلاد، وتعطّل الحج، وخيف الطريق، فكتب أهل الحجاز يستغيثون بالدولة، فكتبت لمحمد على بإرسال العسكر لإخماد تلك الفتنة، وحثه على السرعة، فأخذ يجهز العسكر، واتخذ صناعة فى بولاق لعمل المراكب، وأمر بقطع الأشجار البالغة فى أنحاء القطر وجلبها إليها، ففصّلت منها عدة مراكب، وأرسلت على الجمال إلى السويس فتركبت هناك.
ثم دخلت سنة خمس وعشرين ومائتين وألف، فتوجه الباشا بنفسه إلى السويس، وأمر بضبط ما بها من المراكب، وكذا ما بغيرها من سواحل البحر الأحمر، وعاد إلى مصر، وأخذ فى تشهيل الجردة، وقلّد ولده طوسون سر عسكرها، فخرج الجيش وعسكر بقبّة العزب، وكان نحو ألفى مقاتل، وحثّ على إحضار اللوازم، فوقع ذلك لدى الدولة العلية موقع الاستحسان، ورأى السلطان أن فعله ذلك من أجلّ الخدم الدينية وأرفع التقربات إلى الدولة العلية، فأصدر أمره إلى خورشيد باشا ومن معه بالرجوع إلى الآستانة. فكان كتقرير جديد من الحضرة السلطانية للباشا بتولية الديار المصرية. فأهدى ذلك الأمر السرور لقلب فرانسا، وموافقها دولة الإنكليز، وأبلغت دولة فرانسا الباشا على يد قنصلها أنها ممنونة مما رأته من اقتداره على نشر أعلام التمدن فى البلاد الشرقية.
[[مذبحة المماليك بالقلعة]]
وكان الباشا قد نمى إليه أن جماعة من المماليك، تواطؤوا على الفتك به فى عودته من السويس، فقام على غير ميعاد وتسربل ظلام الليل، حتى دخل مصر من ليلته.
ورأى أنه لا يأمن من فتكات المماليك خصوصا إذا خلت البلد من العسكر فدبّر فى قطع دابرهم، فأبدى اهتمامه بأمر يوسف باشا الذى كان واليا على الشام وعزله عنها أحمد باشا الجزار، فحضر مستعينا بالباشا، فشكره الباشا لاختياره ووعده المساعدة وأن يكون أعزّ أنصاره، فأمر بتجهيز تجريدة لنصرة المذكور، وعيّن جاهين بيك الألفى رئيسا لها، ثم أحضر المنجمين وطلب منهم تعيين ساعة يكون الطالع فيها سعيدا حتى