عباس باشا عمارة جليلة، وهو من الجوامع الشهيرة، وبه ضريح السيدة سكينة ﵂ يقصد بالزيارة، وتعمل به حضرة كل ليلة خميس، ومولد كل عام. وبالجهة البحرية الشرقية لهذا الجامع حارة تعرف بحارة البحر والنهر، لأن بها ضريحين: أحدهما لزين الدين بن إبراهيم الفقيه الحنفى صاحب كتاب «البحر فى فقه الحنفية»، والآخر لأخيه عمر إبراهيم صاحب كتاب «النهر فى فقه الحنفية» أيضا، ولضريحيهما باب من الجامع المذكور.
[ترجمة الرباب بنت امرئ القيس]
وذكر صاحب كتاب «نور الأبصار» ما ملخصه أن أم السيدة سكينة هى الرباب بنت امرئ القيس بن عدى بن أوس الكلبى. كان نصرانيا، فجاء إلى عمر بن الخطاب ﵁، فدعا له برمح، وعقد له على من أسلم بالشام من قضاعة، فتولّى قبل أن يصلى صلاة، وما أمسى حتى خطب منه الحسين بنته الرباب، فزوّجه إياها، فأولدها عبد الله وسكينة وسكينة.
وكانت الرباب من خيار النساء وأفضلهن، وخطبت بعد قتل الحسين ﵁ فقالت:«ما كنت لأتخذ حما بعد رسول الله ﷺ»، وبقيت بعده سنة لا يظلها سقف بيت إلى أن ماتت رحمها الله.
[ترجمة السيدة سكينة]
وكانت سكينة سيدة نساء عصرها، ومن أجمل النساء وأظرفهن، وأحسنهن أخلاقا، وتزوجها مصعب بن الزبير، فهلك عنها، ثم تزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم ابن حزام، فولدت له قريبا، ثم تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، وفارقها قبل الدخول، ثم تزوجها زين بن عمرو بن عثمان بن عفان، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها ففعل.
والطرة السكينية منسوبة إليها، وكانت أحسن الناس شعرا، وكانت تصفّف جمتّها تصفيفا لم ير أحسن منه، حتى عرف ذلك، وكانت تلك الجمة تسمى السكينية. وكان عمر ابن عبد العزيز إذا وجد رجلا يصفّف جمته السكينية جلده وحلقه.
وكان منزلها مألف الأدباء والشعراء. توفيت بمكة يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الأول سنة ست وعشرين ومائة، وصلى عليها شبيه بن النطاح المقرئ. وفى ابن خلكان توفيت سنة سبع عشرة ومائة، وكانت وفاتها بالمدينة. والأكثرون على أن وفاتها بالمدينة، وفى طبقات الشعرانى أنها مدفونة بالمراغة بقرب السيدة نفيسة، ومثله فى طبقات المناوى، والأصح أنها دفنت بالمدينة. (انتهى).