للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نظر فيما يوجب ربط علائق هؤلاء الأمم، فلذا أسس مدينة الإسكندرية وسماها باسمه، وجعلها مركزا للتجارات بدل مدينة صور التى هدمها وخربها، فوردت إليها التجارة، وعمرت فى مدة يسيرة، وملأها الأغراب، سيما الأروام، وبلغت فى مدة قريبة درجة عظيمة فى الثروة والعمار؛ بسبب كونها مقرّ حكومة البطالسة، وانحط بها قدر منف.

وبسبب تحلية ملوك البطالسة لها بالمبانى والمعابد والمدارس، صارت مدينة إسكندرية مركزا لجميع أمور العالم، وشاع ذكرها حتى ملأ الآفاق، وقصدها جميع الناس، فاتسعت حدودها، وعظم أمرها، وفاقت جميع مدن الدنيا فى تلك الأزمان، وانتقل إليها العلم والعلماء، وصارت مركزا للعلم والأدب كما كانت مركزا للتجارة والسياسة، وبقيت كذلك تلك المدة الطويلة رافلة فى حلل العزّ؛ لما اشتملت عليه من علوم المصريين والروم وتمدنهم، فكانت كالشمس يستضئ بها كل إنسان من أى بقعة، ونسى بها غيرها من المدن.

وفى أغلب تلك المدة كانت مدينة روما فى حال التبربر، فأطلقت عنان طمعها، وخربت مدينة قرطاجة وكرت بجيوشها على ما جاورها، فاتسع سلطانها باستيلائها على القلواء وجزائر الروم. ولم تكتف بذلك بل قصدت الممالك المشرقية، ومن ذلك الوقت بدا فى الكون ذكرها، واستمر ذلك إلى وقت قيصر الروم (أغسطس).

ولنذكر لك ملخص تاريخ تقلبات هذه المدة وحوادثها، من ابتداء إسكندر الأكبر إلى زمن دخول قياصرة الروم فنقول:

[مطلب تقلبات الأحوال من ابتداء إسكندر الأكبر إلى زمن قياصرة الروم]

بعد موت الإسكندر صارت قسمة مملكته المتسعة بين رؤساء جيوشه، فكانت مصر فى نصيب (بطليموس (١) بن لاغوس)، وكان أعظم الجميع عقلا وأكملهم فضلا، فأسس دولة البطالسة سنة ٣٢٣ قبل الميلاد.

وذكر المؤرخون أن بطليموس المذكور أخو إسكندر من السّفاح؛ لأن (أرسينوى)


(١) الصحيح «بطلميوس» مع مراعاة ذلك عند تكرار الاسم فيما بعد. انظر: إبراهيم نصحى، تاريخ مصر فى عصر البطالمة، ج ١، ص ٥٠ - ٩٥ ط. الثالثة، القاهرة ١٩٦٦.