للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدة بطليموس هذا ولدته من (فليبش) الذى هو والد الإسكندر وملك مقدونيا، وهو الذى زوّجها إلى (لاغوس) والده، وكان من نسل أحد العامة، وكان بطليموس هذا من أعز أحباب إسكندر، وصاحبه فى جميع حروبه واشتهر بلقب (سوتير) أى المنجى؛ وسبب ذلك-كما قال بعضهم: أنه نجّى أهل جزيرة رودس من ظلم (ديمتريوس) ملكهم، فلقبوه بهذا اللقب. وقال آخرون: سبب ذلك أن نجاة الإسكندر كانت على يديه فى وقعة من وقعات الهند، فمن ذلك لقب بهذا اللقب.

وبطليموس هذا كان صاحب تدبير، وعقل وافر غزير، فلذا كان ابتداء جلوسه على تخت الديار المصرية آخذا فيما يوجب لملكه الدوام والبقاء، وصارفا جل همته فى استمالة قلوب المصريين، فنشر فيهم ألوية العدل والإنصاف، وأوسع لهم فى العطاء فأحبوه، ولاذ بساحته أغلب الرجال من ذوى العقل من رجال الإسكندر وغيرهم، وتوصل لعقد معاهدات مع حكام الجهات المجاورة لملكه، فاستقام حال مصر، واستبشر أهلها بالأمن والراحة، ونمّت فيهم الثروة التى كانت رحلت من بلادهم منذ زمن مديد. ولم يمض عليه زمن يسير إلا وقد ظهرت ثمرة حسن رأيه وإصابته؛ فإن (بيردنكاس (١) أحد أقرانه فى مدة الإسكندر، رغب فى أخذ مصر منه وحزب عليه جيوشا، لكن اخترمته المنية أثناء ذلك، وبقى بطليموس مستريحا بعد هذه الفتنة التى كانت نتيجتها دخول بلاد القدس ضمن سلطنته لحفظ القطر المصرى من عدوّ يقصده من الشام، وربط به معاهدات صار بها مستقلا فى مصر وما والاها من بلاد العرب وبلاد ليبيا التى فى حدود مصر، ومن ذاك الحين صار مالكا متصرفا لا يعارض، وبذل الجهد فى إتمام مقاصد إسكندر من تمكين تجارة المشرق والمغرب من أرض مصر.

وفى زمنة وزمن من أعقبه فى الملك، كثر ورود التجارة الهندية إليها، بسبب ما حدث فى سواحل البحر الأحمر من المين (٢) العظيمة، والمسالك الموصلة لتلك التجارة إلى نيل مصر، لتمر فى مدنها حتى تصل إلى إسكندرية وتنقل إلى أوروبا. ومن تلك المسالك:


(١) الصحيح «برديكاس». انظر: المرجع السابق، ج ١، ص ٥٨.
(٢) جمع ميناء.