فلما آل الأمر بعد وفاته إلى ولده أبى الحسن على، الملقب بالظاهر لإعزاز دين الله، كثرت المفاسد، وخيفت الطرقات، وزال الأمن لإقباله على اللهو وشرب الخمر، حتى رخص للناس فيه وفى سماع الغناء، وأشياء سوى ذلك، كانت ممنوعة فى أيام أسلافه، كشرب الفقاع، وأكل الملوخيا وجميع الأسماك، وزاد السعر، وعز وجود الخبز، واشتد الغلاء، وكثر نقص النيل.
كل ذلك والظاهر مشغول بلذاته لا يصل إليه غير وزرائه، ومنع الناس من ذبح البقر لقلّتها، وكثر الاضطراب والخوف فى ظواهر البلد، وتحدثت زعماء الدولة بمصادرة التجار، فاختلف بعضهم على بعض، وكثر ضجيج طوائف العسكر من الفقر والحاجة، فلم يجابوا، وفشت الأمراض، وكثر الموت فى الناس، وفقد الحيوان، فلم يقدر على دجاجة، وعزّ الماء لقلة الظهر، فعمّ البلاء من كل جهة، وعرض الناس أمتعتهم للبيع، فلم يوجد من يشتريها.
وخرج الحاج، فقطع عليهم الطريق بعد رحيلهم من بركة الحاج، وأخذت أموالهم، وقتل منهم الكثير، وكثر الخوف من الدعّار التى تكبس الحارات، ونهبت الأرياف وكثر طمع العبيد ونهبهم، وجرت أمور من العامة قبيحة، فكانت مدة خلافته من أشنع المدد.
وفى أيامه حفر البستان المقسى، وجعل بركة ماء تملأ من خليج فم الخور، الذى هو عند قنطرة الدكة، وأصله ترعة صغيرة، وكان يسمى أيضا خليج الذكر، أوله عند قنطرة الدكة، عند ما كان النيل بالمقس، ولم يزل يمتد مع انحسار النيل حتى صار فمه فى أيام الناصر، عند قنطرة سيدى أبى العلاء، المجاورة لوابور الماء. ولما عمل الخليج الناصرى صارت فوهة فم الخور منه، لقطعه إياه عن البحر.
وفى أيامه بنيت خزانة البنود، وأقام فيها ثلاثة آلاف صانع، وكانت فيما بين قصر الشوك والمشهد الحسينى، ومحلها اليوم منزل الأمير أحمد باشا رشيد بتلك الجهة وما جاوره من خط قصر الشوك.
[[الفتنة العظيمة فى عهد المستنصر]]
وفى أيام الخليفة المستنصر بالله كثرت الاضطرابات، لكثرة صرفه للوزراء والقضاة وولايتهم، واختلاطه بالرعاع وتقديم الأراذل، فاشتبهت عليه الأمور، وتناقضت الأحوال،