للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومات سعد الدين المذكور فى مدة الناصر فرج سنة ثمان وثمانمائة، وكانت جنازته حافلة، شهدها كثير من الأمراء والأعيان وأرباب الوظائف، حتى استأجر الناس السقائف والحوانيت لمشاهدتها، ونزل السلطان للصلاة عليه.

ولما قتل السلطان الناصر فرج سنة أربع عشرة وثمانمائة - كما مرّ - كان فى إمكان الأمير شيخ المحمودى أن يتسلطن، لكنه أخّر نفسه، وقدم الخليفة العباسى للسلطنة، حتى لا يكون عرضة لسهام الفتن، فإن الأحوال كانت مضطربة، والفتن قائمة فى جميع أنحاء المملكة، من مصر والشام، وتداعى للخراب كثير من المحلات بالقاهرة وغيرها من المدن والبلاد، وأكثر الصعيد وأسفل الأرض، حتى صار كثير من الأماكن تلالا وفلوات موحشة، وخلت الخزائن من الأموال، فتأخر شيخ عن الاستيلاء على تخت السلطنة، ربما يتمكن من عهد الأمور، وتقرير الأحوال.

***

[تولية أمير المؤمنين أبى الفضل العباسى]

وولى السلطنة أمير المؤمنين الخليفة المستعين بالله أبو الفضل العباس بن محمد العباسى، فأقام بها ستة شهور، وتولى النيابة المؤيد شيخ، فشاركه المؤيد فى الخطبة، وصار الأمر للمؤيد فتغلب على السلطنة، وصار الخليفة معه فى غاية الضنك، محجورا عليه، لا يتمكن من كتب منشور أو مرسوم، حتى يعرضه على الأتابك. فلم يكن له فى السلطنة مع الأتابك غير مجرد الاسم، وكل الأمر بيد الأتابك شيخ، إلى أن بدا للأتابك أن يخلع الخليفة، ويتسلطن، فأحضر القضاة الأربعة، وسائر الأمراء، وخلعه من السلطنة، ولم يخلعه من الخلافة، وأبقاه فى القلعة تحت الحجر. ثم خلعه من الخلافة أيضا، وأرسله مسجونا إلى الإسكندرية، فاستمر بالسجن إلى زمن الملك الأشرف برسباى، فأخرج من السجن، وأسكن هناك إلى أن مات فى الوباء الذى وقع فى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ودفن هناك.

***

[جلوس السلطان المؤيد]

وفى إثر خلع الخليفة المذكور من السلطنة سنة خمس عشرة وثمانمائة جلس على تخت المملكة السلطان أبو النصر شيخ المحمودى الظاهرى، أحد مماليك الظاهر برقوق فى شهر شعبان من تلك السنة، وتلقّب بالملك المؤيد.