وتتبع صلاح الدين جند العاضد، وأخذ دور الأمراء وإقطاعاتهم، فوهبها لأصحابه، وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله، فقدموا إليه من الشام.
[[عزل قضاة الشيعة وخلع العاضد]]
فلما كان فى سنة ست وستين وخمسمائة أبطل المكوس من ديار مصر، وهدم دار المعونة بمصر، وعمرها مدرسة للشافعية، وأنشأ مدرسة أخرى للمالكية، وعزل قضاة مصر الشيعية وقلد القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الشافعى، وجعل إليه الحكم فى إقليم مصر كله، فعزل سائر القضاة، واستناب قضاة شافعية، وعمل بمقتضى مذهبه، وهو امتناع إقامة خطبتين للجمعة فى بلد واحد، كما هو مذهب الإمام الشافعى ﵁، فأبطل الخطبة من الجامع الأزهر، وأقرها بالجامع الحاكمى من أجل أنه أوسع. فلم يزل الجامع الأزهر معطلا من إقامة الجمعة فيه مائة عام، من حين استولى السلطان صلاح الدين إلى أن أعيدت الخطبة فى أيام السلطان الظاهر بيبرس.
وبعزل قضاة الشيعة اختفى مذهبهم، وتظاهر الناس بمذهب مالك والشافعى، وأخذ صلاح الدين فى غزو الإفرنج، وعاد منصورا، وعمر سور الإسكندرية، وسيّر توران شاه إلى الصعيد، فأوقع بأهل الصعيد، وأخذ منهم ما لا يمكن وصفه كثرة وعاد. فكثر القول من صلاح الدين وأصحابه فى ذم العاضد، وتحدثوا بخلعه، وإقامة الدعوة العباسية بالقاهرة ومصر، ثم قبض على سائر من بقى من أمراء الدولة، وأنزل أصحابه فى دورهم فى ليلة واحدة، فأصبح فى البلد من العويل والبكاء ما يذهل العقول، وحكم أصحابه فى البلد، وأخرج إقطاعات سائر المصريين لأصحابه، وقبض على بلاد العاضد، ومنع عنه سائر مواده.
وقبض على القصور، وسلمها إلى الطواشى بهاء الدين قراقوش الأسدى، وجعل له زماماتها، فضيق على أهل القصر، وصار العاضد معتقلا تحت يده، وأبطل من الأذان «حى على خير العمل»، وأزال شعار الدولة، وقطع الخطبة للعاضد. فمرض العاضد ومات، وعمره إحدى وعشرون سنة إلا عشرة أيام فى ليلة عاشوراء سنة سبع وستين وخمسمائة بعد قطع اسمه من الخطبة، والدعاء للمستنجد العباسى بثلاثة أيام. ويقال: إن اسمه إنما قطع من الخطبه بعد موته.
وكان العاضد كريما، لين الجانب مرت به مخاوف وشدائد وفتن، آلت إلى انقراض ملكه، وانقرضت دولة الفاطمية بانقراضه.