وأول بناء فيها كان فى أيام الحاكم بأمر الله، فقد نقل المقريزى عن المسبحى من حوادث سنة خمس وتسعين وثلثمائة أن الحاكم بأمر الله أمر أن تعمل شونة مما يلى الجبل، وتملأ بالسنط والبوص والحلفاء، فابتدئ فى عملها فى ذى الحجة سنة أربع وتسعين وثلثمائة، وتمّ فى شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وثلثمائة، فخامر قلوب الناس من ذلك جزع، خصوصا كل من يتعلق بخدمة الخليفة الحاكم بأمر الله، وظنوا أنّ هذه إنما عملت لهم، ثم قويت الشائعات وتحدّث الناس فى الطرقات بأنها للكتّاب وأصحاب الدواوين، فاجتمع سائر الكتّاب وخرجوا بأجمعهم فى اليوم الخامس من ربيع الأول، ومعهم سائر المتصرفين فى الدواوين من المسلمين والنصارى إلى الرمّاحين بالقاهرة، وما زالوا يقبلون الأرض حتى وصلوا إلى القصر، فوقفوا على بابه يدعون ويتضرعون، وكتبوا عن جميعهم رقعة يطلبون فيها العفو عنهم، ويسألون الخليفة أن لا يقبل فيهم قول من يسعى بينهم وبينه، وسلّموا هذه الرقعة إلى قائد القوّاد الحسين ابن جوهر، فأوصلها إلى أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله، فأجيبوا إلى ما سألوا، وخرج إليهم قائد القوّاد، فأمرهم بالانصراف. والبكور فى الغد لقراءة سجل بالعفو عنهم، فانصرفوا وحضروا فى الغد، فقرئ أمامهم سجل العفو، وأعطيت منه نسخة للمسلمين، ونسخة للنصارى، ونسخة لليهود.
ونقل عن ابن عبد الظاهر أن الحارات التى عن ميمنة الخارج من باب الفتوح وميسرته؛ الميمنة إلى الهليلجة (طائفة من عساكر الفاطميين) والميسرة إلى بركة الأرمن - وهى بركة جناق - برسم الريحانية الغزّاوية (طائفة أخرى من العساكر المذكورة) والمولدة والعجمان، هى المعروفة الآن بالحسينية. وكانت ثمانى حارات: وهى حارة حامد، والمنشية الصغيرة والكبيرة، وبين الحارتين، والحارة الكبيرة، والحارة الوسطى، والسوق الكبير، والوزيرية.
ثم قال: اعلم أن الحسينية شقتان:
إحداهما ما خرج عن باب الفتوح، وطولها من خارج باب الفتوح إلى الخندق (الدمرداش)، وهذه الشقة هى التى كانت مساكن الجند فى أيام الخلفاء الفاطميين، وبها كانت الحارات المذكورة.
والشقة الأخرى ما خرج عن باب النصر وامتدّ فى الطول إلى الريدانية. وهذه الشقة لم يكن بها فى أيام الخلفاء الفاطميين سوى مصلى العيد تجاه باب النصر، وما بين المصلى إلى الريدانية فضاء لا بناء فيه، وكانت القوافل إذا برزت تريد الحج تنزل هناك.
[مطلب إنشاء الترب خارج باب النصر]
فلما كان بعد الخمسين والأربعمائة، وقدم بدر الجمالى وقام بتدبير أمر الدولة الخليفة المستنصر بالله أنشأ بحرى مصلى العيد خارج باب النصر تربة عظيمة. وفيها قبره وقبر ولده الأفضل ابن أمير الجيوش. ثم تتابع الناس فى إنشاء الترب هناك حتى كثرت. ولم تزل هذه