والحمراء القصوى كانت خطة بنى الأزرق، وهى التى بنى فى محلها العسكر. قال المقريزى: اعلم أن موضع العسكر قد كان قديما يعرف فى صدر الإسلام بالحمراء القصوى.
قال: والحمراء القصوى كانت خطة بنى الأزرق وبنى روبيل وبنى يشكر بن جزيلة، ثم دثرت هذه الخطة بعد العمارة بتلك القبائل حتى صارت صحراء. فلما قدم مروان بن محمد - آخر خلفاء بنى أمية - إلى مصر منهزما من بنى العباس نزلت عساكر صالح بن على وابن عون عبد الملك بن يزيد فى هذه الصحراء حيث جبل يشكر حتى ملأوا الفضاء، وأمر أبو عون أصحابه بالبناء فيه، فبنوا، وذلك فى سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
فلما خرج صالح بن على من مصر خرب أكثر ما بنى فيه إلى زمن موسى بن عيسى الهاشمى، فابتنى فيها دارا أنزل فيه حشمه وعبيده، ثم ولى السرى بن الحكم فأذن للناس فى البناء، فابتنوا فيه، وصار مملوكا بأيديهم، واتصل بناؤه ببناء الفسطاط، وبنيت فيه دار الإمارة، وجامع العسكر، وعملت الشرطة هناك، وإلى جانبها بنى أحمد بن طولون جامعه الموجود الآن، وسمى من حينئذ ذلك الفضاء بالعسكر، وصار أمراء مصر إذا ولوا ينزلون به، وصار مدينة ذات محال وأسواق ودور عظيمة، وفيه بنى أحمد بن طولون مارستانه، فأنفق عليه وعلى مستغله ستين ألف دينار، وكان بالقرب من بركة قارون.
وعظمت العمارة فى العسكر جدا إلى أن قدم أحمد بن طولون من العراق إلى مصر، فنزل بدار الإمارة من العسكر، وكان لها باب إلى جامع العسكر وينزلها الأمراء منذ بناها صالح ابن على بعد قتله مروان. وما زال بها أحمد بن طولون إلى أن بنى القصر والميدان بالقطائع، فتحول منها وسكن قصره بالقطائع. (انتهى ملخصا).
وفى وقتنا هذا الحد الشرقى للحمراء القصوى يمتد إلى جامع ابن طولون، فيكون فيه خط الجامع وخط الكبش، والحد القبلى هو التلول الممتدة من الكبش إلى شارع مصر القديمة التى بها قبر زين العابدين، والشرقى البحرى هو الشارع، والغربى الخليج المصرى من قنطرة السباع إلى قنطرة السد.
[بركة قارون]
وأما بركة قارون المتقدم ذكرها فإنها كانت كبيرة جدا، والآن لم يبق منها إلا شئ قليل، وعن قريب يردم ويزول أثرها بالكلية. وفى زمن دخول الفرنساوية مصر كانت تعرف ببركة الملا، ثم عرفت اليوم ببركة البغالة، وهى قريبة من عمارة الأمير الكبير الشهير حسين باشا حسنى ناظر المطبعة والكاغدخانة المصرية.