وهكذا لم تزل فى الزيادة فى عهده وعهد خلفائه من بعده، إلى أن صارت من أمهات الأمصار، وهرع الناس إليها من سائر الأقطار، حتى بلغت عدة أهلها فى عصرنا هذا، أعنى سنة ١٢٩١ هجرية-٢٧٠٠٠٠ نفس.
وبعد أن كان لا يرى فى ميناها القديمة غير مراكب شراع قليلة، ترد إليها فى بعض الأوقات ببضائع قليلة من نحو البلاد التى على سواحل البحر الرومى وجهات إيطاليا، صارت كل يوم يرد إليها عدد وافر من المراكب، شراعية وبخارية، تجارية وحربية، من جميع الجهات، تجلب إليها مبالغ جسيمة من أنواع محصولات الأقطار، وذلك بسبب ما جدده بالإسكندرية من الآثار السنية والمنافع الوطنية، فإنه قد نزع عنها جلابيب الأحداد، وكساها حلل الإقبال والإسعاد، وأحدث فيها مبانى جميلة وعمائر جليلة، وأمر بإصلاح ما تهدم من أسوارها، وتجديد ما اندرس من آثارها، واحتفل بذلك إحتفالا زائدا تحسينا لهيئتها وحرصا على عمارتها.
[مطلب دخول الفرنج بالمينا]
ولأجل حرصه على جلب العمارة لها، صرح لمراكب الفرنج بالدخول فى المينا الغربية، التى كانوا قبل ذلك ممنوعين منها، وكانت المينا الشرقية هى المعدة لرسيان مراكب الفرنج، مع أنها كانت مخوفة وعلى غاية من الخطر، وكثيرا ما كان يحصل منها التلف للسفن التى ترسو بها، من كثرة تسلط الرياح الشرقية والشمالية عليها سيما لقلة عمق المياه التى بجوار المرسى، بخلاف المينا الغربية التى كانت مختصة بسفن المسلمين، فإنها فى غاية الأمن من ذلك كله، وكان الأغراب كثيرا ما يطلبون الدخول منها فلا يجابون، فلما صدر الإذن لهم بذلك فرحوا فرحا شديدا، وكان سببا فى كثرة جلب الخيرات إليها، وإقبال التجار وأهل الأسفار عليها، فإنه من وقت بلوغ هذا الخبر إلى الأقطار، أخذت السفن تتوارد بالتجارات من كل مدينة ومن كل قطر، حيث لم تختص ملة دون أخرى بمزية، حتى تكاثرت التجارات والأغراب فيها، وتيسرت بها أسباب المكاسب، وغرّدت فيها بلابل الثروة من كل جانب.