فغضب الباشا، وحمّل السفراء مكاتبة للحضرة العلية، يلتمس فيها الإنعام بجعل الشام كلها له، فعارضت دولة الإنكليز فى ذلك، بدعوى أن أهالى الشام غير راضين عنه، وأنه إن بقى واليا عليهم لا يخلو الشام من العصيان، ووافقتها الدول على ذلك، وأوعزوا إلى الباشا بواسطة قناصلهم أن يخلى أرض الشام من جنوده، فامتنع من ذلك، فأرسلوا إلى بيروت أسطولا نمساويا، وآخر إنكليزيا، وطلعت بعض عساكر إلى السواحل، فملكوا عكا وغيرها من المدن الأصلية، وتقهقرت أمامهم عساكر مصر.
وأرسلوا أسطولا آخر إنكليزيا، تحت إمرة الأميرال نابييه إلى الإسكندرية، فأرسل إلى الباشا بأنه إن لم يرسل بتخلية عساكره للبلاد الشامية خربت الإسكندرية.
فأخذ الباشا يتفكر فى هذا الأمر، ويستشير رجاله، فرأى أن امتناعه ينشأ عنه متاعب كثيرة، فسلّم للأميرال الإنكليزى على أن تكون مصر له ميراثا، فقبل منه، وتوقف الأميرال النمساوى، وكذا عند ما أخبروا الدولة توقفت لما رأت من إعانة الدول لها، فلم يجد الباشا بدّا من التسليم بلا شرط، ووكل أمره لسفراء الدول بالآستانة فى تسوية هذه القضية على وجه مقبول، فصممت دولة الإنكليز على أنه لا يكون له الوراثة على مصر، وعارضها باقى الدول بتمدن سواحل النيل فى أيامه والإصلاحات الكثيرة.
ولم يزل الكلام دائرا حتى أمضى السلطان العقد المؤرخ باليوم الثانى عشر من يناير سنة ٤١ ميلادية، ومن ضمنه أن يكون واليا على مصر مدة حياته، ثم تكون ولايتها من بعده لأكبر أولاده وحفدته وأسباطه، وأن يورد إلى الخزينة السلطانية فى كل سنة ثمانين ألف كيس، وأن لا يزيد عدد عسكر مصر على ثمانية عشر ألفا، بشرط أن تكون ملابسهم كملابس عسكر السلطان.
وتم الأمر على ذلك، واستراح خاطر الباشا، واستتبت الراحة، واخذت البلد فى الرفاهية والعمران، واتسع بها نطاق الثروة، إلى أن حصل للمرحوم محمد على باشا المرض الشديد الذى اعتراه فى آخر عمره، حتى منعه من القيام بشئون القطر، والنظر فى أحواله.
[تولية إبراهيم باشا ابن العزيز محمد على]
فجلس بعده على تخت الحكومة المصرية أكبر أولاده المرحوم إبراهيم باشا سر عسكر، فصار خديويا بعده، وجاء الفرمان السلطانى بذلك، فنظر فى أحوال القطر النظر المحكم، وعزم على فعل أشياء متينة يعود نفعها على القطر، فاخترمته المنية.