واحترقت مدينة الفسطاط فنزل على تنيس وأشموم ومنية غمر، وصاحب أسطول الإفرنج فى عشرين شونة، فقتل وأسر وسبى.
[[واقعة دمياط سنة خمس وستين وخمسمائة]]
وفى وزارة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب للعاضد، وصل الافرنج إلى دمياط فى شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وخمسمائة، وهم فيما يزيد على ألف ومائتى مركب، فخرجت العساكر من القاهرة وقد بلغت النفقة عليهم زيادة على خمسمائة ألف وخمسين ألف دينار، فأقامت الحرب مدة خمسة وخمسين يوما، وكانت صعبة شديدة. واتهم فى هذه النوبة عدة من أعيان المصريين بممالأة الإفرنج ومكاتبتهم وقبض عليهم الملك الناصر وقتلهم.
وكان سبب هذه النوبة أن الغز لما قدموا إلى مصر من الشام صحبة أسد الدين شيركوه تحرك الإفرنج لغزو ديار مصر خشية من تمكن الغز بها، فاستمدوا إخوانهم أهل صقلية فأمدّوهم بالأموال والسلاح، وبعثوا إليهم بعدّة وافرة، فساروا بالدبابات والمجانيق، ونزلوا على دمياط فى صفر-وهم فى العدة التى ذكرنا من المراكب- وأحاطوا بها بحرا وبرا. فبعث السلطان بابن أخيه تقى الدين عمرو وأتبعه بالأمير شهاب الدين الحازمى فى العساكر إلى دمياط، وأمدّهما بالأموال والميرة والسلاح، واشتد الأمر على أهل دمياط وهم ثابتون على محاربة الافرنج، فسير صلاح الدين إلى نور الدين محمود بن زنكى صاحب الشام يستنجده، ويعلمه بأنه لا يمكنه الخروج من القاهرة إلى لقاء الافرنج خوفا من قيام المصريين عليه، فجهز إليه العساكر شيئا بعد شئ، وخرج نور الدين من دمشق بنفسه إلى بلاد الافرنج التى بالساحل وأغار عليها واستباحها، فبلغ ذلك الإفرنج وهم على دمياط، فخافوا على بلادهم من نور الدين أن يتمكن منها، فرحلوا عن دمياط فى الخامس والعشرين من ربيع الأول بعد ما غرق لهم نحو ثلثمائة مركب، وقلت رجالهم بفناء وقع فيهم، وأحرقوا ما ثقل عليهم حمله من المنجنيقات وغيرها. وكان صلاح الدين يقول:«ما رأيت أكرم من العاضد أرسل إلىّ مدة مقام الافرنج ألف ألف دينار سوى ما أرسله إلىّ من الثياب وغيرها».