المزية كانت متميزة، ودائما تتجدد فيها المبانى الفاخرة، وتزداد بها المدارس والعلوم. ولحقها من عناية الخلفاء العباسيين بعض شرف، سيما المأمون، وبقيت أعظم مدينة بالقطر إلى سنة ٨٦٨، ثم انفصلت عن الديار المصرية، وخرجت عن تخت المملكة بخروج عاملها أحمد بن طولون عن طاعة مولاه.
واستمرت الديار المصرية فى هذا الانفصال والاستقلال مدة تقرب من مائة سنة، وتفصيل حوادث هذه المدة موجود فى كتب شتى مطوّلة، فليراجعها من يريد ذلك.
وأما نحن-ههنا-فلسنا نذكر إلا ملخصا لطيفا، يفهم منه سلسلتها، وما نشأ عنها.
وحيث أن أعظم شئ وأهمه منها، هو ظهور الديانة المحمدية، بظهور نبينا محمد رسول الله ﷺ، لكونها نتج منها جميع حوادث هذه المدة، فيجب علينا أن نذكر سيرته بأخصر كلام فنقول:
[مطلب ذكر السيرة النبوية]
ولد ﵊ سنة ٥٧٠ من الميلاد، وتربى فى حجر جده عبد المطلب، ثم بعد سنتين من عمره مات جده فكفله أبو طالب عمه، وبقى عنده إلى أن اشتد وقوى، فصار يسافر معه فى تجارته، ثم تاجر لخديجة بنت خويلد، وكانت من أغنى الناس، وسافر بمتجرها إلى الشام، فأعجبها استقامته وحسن معاملته، فتزوجت به وعمره-إذ ذاك-خمس وعشرون عاما، وعمرها أربعون، وأتت منه بثلاثة ذكور، ماتوا فى حداثة السن، وأربع بنات تزوّجن برؤساء المسلمين.
ولما بلغ عمره، ﵊، أربعين سنة، بعثه الحق، ﷻ، لهداية الخلق إلى طريق الحق، فتبعه أبو بكر وابن عمه علىّ، وزيد بن حارثة وزوجته خديجة، ولحقهم غيرهم، فأنكرت قريش على النبى ﷺ ومن تبعه معتقدهم، وهموا بقتلهم، فهاجر إلى مدينة يثرب، التى بينها وبين مكة ٧٥ فرسخا، فى الجهة البحرية من