ونزل شيركوه على القاهرة بالغز ثالث مرة، فخلع عليه العاضد وأكرمه، وأخذ شاور يفتك بالغز على عادته، فقتلوه، وتقلد شيركوه وزارة العاضد، وقام بالدولة شهرين وخمسة أيام ومات، ففوض العاضد الوزارة لصلاح الدين يوسف بن أيوب، فأمر باحضار أعيان أهل مصر الذين رحلوا عن ديارهم فى الفتنة، وساروا إلى القاهرة، وأمرهم بالعودة، فنودى فى الناس بالرجوع إلى مصر، فتراجع الناس قليلا، وعمروا حول الجامع، ولكن لم تكمل العمارة، ولم تطل المدة، وتوالت المحن والشدائد، إلى أن كانت المحنة من الغلاء والوباء، فى سلطنة الملك العادل أبى بكر محمد بن أيوب سنة خمس وستين وخمسمائة، فخرب من مصر جانب كبير، ثم تحايا الناس، وأكثروا من العمارة بجانب مصر الغربى على شاطئ النيل، لما عمر الملك الصالح نجم الدين قلعة الروضة.
وفى سلطنة الملك العادل كتبغا سنة ست وتسعين وستمائة خرب كثير من مساكن مصر بسبب الوباء الذى حصل، ثم تراجع الناس بعد سنة تسعة وأربعين وسبعمائة، ثم حدث الفناء الكبير، فخربت أكثر المنازل، ثم تحايا الناس إلى سنة ستة وسبعين وسبعمائة، فشرقت بلاد مصر، وحصل الوباء بعد الغلاء، فخرب أكثر العامر إلى سنة تسعين وسبعمائة، فعظم الخراب، وشرع الناس فى هدم الدور، حتى صارت تلالا كما ترى.
وأما القاهرة المحروسة، فإنها وإن كانت بخراب الفسطاط قد نمت فيها العمارة، واتسعت دائرتها بانتقال من انتقل إليها ممن كان بالفسطاط وغيرها، إلا أنها حصل فيها كثير من التقلبات السياسية والتغيرات الدولية بتعاقب الملوك، وتداول الدول، كما سيذكره، فإن صلاح الدين من حين أخذ بزمام الأحكام وإدارة الأمور أخذ يدبر فى إزالة الدولة الفاطمية والتمهيد للدولة الكردية والخلافة العباسية، فبذل الأموال، وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال، فلم يزل أمره فى ازدياد وأمر العاضد فى نقصان، وصار يخطب بعد العاضد للسلطان نور الدين محمود، وأقطع أصحابه البلاد، وأبعد أهل مصر وأضعفهم، واستبد بالأمور، ومنع العاضد من التصرف، حتى تبين للناس ما يريده من إزالة الدولة، فقامت عبيد الدولة عليه، فهزمهم وأبادهم وأفناهم.
ومن حينئذ تلاشى العاضد واضمحل أمره، ولم يبق له سوى إقامة ذكره فى الخطبة.
[[وقعة العبيد مع الغز وانتهاء حكم الفاطميين]]
ولوقعة العبيد هذه خبر طويل ذكره فى الخطط، وملخصه أن مؤتمن الخلافة جوهرا أحد الأستاذين المحنكين بالقصر تحدث فى إزالة صلاح الدين يوسف بن أيوب من وزارة