واستمر ذلك إلى زمن على بيك الذى أصله من الأباظية، وكان قد أهداه الجركسى إلى إبراهيم كيخيا، فحظى عنده لما كان يرى فيه من البسالة، فأعتقه وزوجه ورقاه إلى رتبة الكشوفية، ثم جعله من ضمن البيكوات حكام المديريات، فكان جميع ذلك باعثا له على الطمع وتمنى الرياسة، فأخذ فى الأسباب، وصار يكثر من البر للأصحاب وغيرهم، فالفوه حتى صار له حزب عظيم-بعد موت سيده-مركب من مماليكه ومماليك غيره، فاستعمله فى إيقاد نار الفتن مدة رضوان كيخيا-الذى أعقب سيده-ومدة عبد الرحمن كيخيا، المتولى بعد رضوان كيخيا.
وبمكره واستمالته القلوب توصل إلى نفى عبد الرحمن كيخيا، ومنعه من دخول مصر، وكان توجه أميرا على الحاج، ولكن لم يتمتع بثمرة هذا المكر زمنا طويلا، بل رجع عبد الرحمن كيخيا ونفاه إلى غزة.
وفى أثناء الطريق تحيّل ورجع إلى الصعيد، وهناك اجتمع بأصحابه الذين وصلوا له من القاهرة، وصار يدبر أمرا يمكنه من الملك، ولم يكن غافلا عن ذلك فى مدة السنتين اللتين أقامهما بجدة، وكان يبذل الأموال فى القاهرة لاستمالة القلوب، فكثر حزبه وقوى، ودخل القاهرة على حين غفلة، وقتل فى ليلة واحدة أربعة من البيكوات، ونفى أربعة وتمكن من أمر الرياسة.
ولم يكتف بذلك، بل رغب فى الاستبداد ورفض حكومة الدولة العلية سنة ١٧٦٨، وضرب المعاملة باسمه، وشاع أمر خروجه عن الطاعة. ولم تقدر الدولة العلية-حينئذ-على رده إلى امتثاله لها، لاشتغالها بحرب الموسكو، التى كانت نيرانها مشتعلة وذلك سنة ١٧٦٩.
والظاهر أن الداعى-لعلى بيك المذكور-على رفض الطاعة للدولة، ما بلغه من عصيان عرب الشام، وكان كبيرهم-إذ ذاك-رجل يقال له: ضاهر، فاتحد معه البيك