ومن مساعدة حكام المديريات لهم داخلهم حب المال، فتحولوا عن واجب وظيفتهم الأولى، وأمكن البيكوات أن يضموهم إلى أحزابهم، ويستعينوا بهم على نفوذ أغراضهم، بعد ما كانوا معدين لردعهم وقهرهم على طاعة السلطان.
ومن ذاك الحين قويت شوكة البيكوات، وضعفت شوكة الباشا، واستقلوا بالكلمة، وأكثروا من/جمع المال ونوّعوا المظالم، وصار كل منهم يجعل لنفسه جيشا من المماليك، ويوسع فى دائرة سطوته بالاستحواذ على الوظائف لمعاتيقه فصارت الحكومة المصرية عبارة عن حكومات متعدّدة بعدد البيكوات، وقوة كل بالنسبة لقوة حزبه والرؤوس المتفرعة عن رأيه، وصارت كلمة الباشا منبوذة لا يعوّل عليها، واستقل الديوان بحكومة الديار المصرية، وتصرف فيها بالطريق التى يستحسنها.
وفى سنة ١٧٤٦، وصل إبراهيم كيخيا، أحد أعضاء المجلس للاستحواذ عليها بكثرة رجاله وجيشه، لأنه كان من مماليكه ثمانية حكام بالمديريات من ضمن الأربعة والعشرين بيكا
وحيث أن الباشا كان يتحصل من بيع الوظائف على مبالغ جسيمة، كان ذلك داعيا لإبراهيم باشا إلى الاستيلاء على كل وظيفة خلت، بأى سبب من الأسباب، فعلت كلمته على أقرانه، سيما بانضمامه إلى رضوان كيخيا صاحب الكلمة.
ومن ذاك الحين سقط اعتبار الباشا المعين من قبل الدولة، وصارت أوامر الدولة غير مسموعة، وبقى له التصرف حتى مات سنة ١٧٥٧. ثم انتقلت الكلمة لعتقائه، ثم بعد طرد رضوان كيخيا وقتله بعصبة المماليك، صارت الرياسة لمن غلب وحصلت فتن أدّت إلى حروب داخل القاهرة وخارجها، فلحق الخلق من ذلك ما لا مزيد عليه من الضرر والكرب، وبلغت الشدّة منتهاها، وعم الخراب المدن والقرى.