والقسم الثالث: يرسل إلى خزانة الباب العالى. ولم يلتفت إلى راحة الأهالى، بل تركها عرضة للمضار كما كانت.
ومن هذا الترتيب تمكنت الدولة العلية، من إبقاء الديار المصرية تحت تصرفها نحو مائتى سنة، ثم أهملت بعد ذلك القوانين التى وضعها السلطان سليم-من حين استيلائه عليها-وكانت هى الأساس.
ولم تلتفت الدولة لما كان يحصل من المماليك من الأمور المخلة بالنظام، فضعفت شوكة الدولة وهيبتها، التى كانت لها على مصر، وأخذت البيكوات تكثر من المماليك وتتقوى بها، حتى فاقت بقوتها الدولة العثمانية فى الديار المصرية، وآل الأمر والنهى لهم فى الحكومة، وصارت حكومة الدولة صورية غير حقيقية؛ وسبب ذلك إكثارهم من شراء المماليك.
ولو كانت الدولة العلية تنبهت لهذا الأمر ومنعت بيع الرقيق، لكانت الأمور باقية على ما وضعها السلطان سليم، ولكن غفلت عن هذا الأمر كما غفلت عن أمور كثيرة، ومن ذلك لحق الأهالى الذل والإهانة، وهاجر كثير منهم إلى الديار الشامية والحجازية وغيرهما
وخربت البلاد وتعطلت الزراعة من قلة الزرّاعين، وعدم الاعتناء بتطهير الجداول والخلجان الذى عليه مدار الخصب، ونتج من ذلك، ومن خوف الدولة العلية من تمكن الباشا فى الحكومة، أن تغلبت البيكوات، وصارت كلمتهم هى النافذة، وانفردوا بالتصرف، ومن قرب الطائفة العسكرية منهم بالزواج، دخلوا ضمن عيالهم وأهلهم، وصاروا من حزبهم، فكان مقرّر الوجاقات-من العلوفات والمرتبات-منحصرا فى صندوق واحد، لا يصرف لأحد من البيكوات بإرادته، بل كان التصرف للديوان.
وظاهر أن ذلك كان على غير رغبة الرؤساء، فاجتهدوا فى تغيير هذا النظام ونالوا مرغوبهم، وصارت لهم الأرض، وتملكوا بلادا من بلاد الأرياف.