لما صدر الأمر له بولاية مصر فى صفر سنة عشرين ومائتين وألف طبقا لمرغوب أعيانها، وسلسلة الفتن محكمة حلقها وعقد الحوادث صعب حلها، والاضطراب عام فى جميع الأنحاء، والعقول غالب عليها حب الأهواء، والعرب تعربد فى النواحى، والمناسر تقطع الطرق، وتنهب الضواحى، والعسكر تجلب على الأهل كل داهية، والأمراء المصرية تعيث فى البلاد، وتخرب القاصية والدانية، وإذا أرسل لقتالهم عسكر زادوا عنهم أضعافا فى الفساد، مع ما بين فرقهم من العداوة والعناد: فالأرنؤود تخالف الإنكشارية وتقاتلها، والدلاة تعادى كل فرقة وتصاولها، والكل معاد للأهالى، عاص للوالى.
أخذ الباشا بالجد والحزم، وتصدى لحل تلك المشكلات المعضلة، والفتن المتطاولة، فشرع فى استمالة قلوب المشايخ أصحاب الكلمة، كالسيد عمر مكرم، والشيخ الشرقاوى، والدواخلى، حتى صاروا معه، فجعل يحل عقد المشاكل بهم، ويستعين برأيهم، على مهمات النوازل، ولم يزل يعانى الأمور بعقل ثابت، وسياسة تامة، حتى تفرد بالأمر كما سيتلى عليك.
[[محمد على يستعين بالشعب]]
ولما صدر الأمر أبلغوه لأحمد باشا الوالى، فلم يلتفت إليه، بل تحصّن بالقلعة، فقام إليه الخديو محمد على، وحاصره بها، وحفظ أبوابها بعساكر الأرنؤود، فلم يكن غير قليل، حتى جاهروه بالعصيان، لعدم صرف جوامكهم، وتفرّقوا عنه، وانتشروا فى القاهرة ينهبون ويسلبون.
فاتحد الباشا مع المشايخ، ورتّب من الأهالى بدلهم بالسلاح والمساوق والنبابيت.
وفى أثناء ذلك حضر قابوجى من الدولة، ومعه أوامر لأحمد باشا بعزله، فلم يمتثل مرسومها، واستمر على عناده.