وهو من الجوامع العتيقة الأنيقة الصنعة، الواسعة البنيان. وذكر المقريزى فى خططه أنه ابتدأ فى بنائه الأمير أبو العباس أحمد بن طولون فى سنة ثلاث وستين ومائتين، وفرغ منه فى رمضان سنة خمس وستين ومائتين، فجاء من أحسن الجوامع وأبهجها، وعمل فى مؤخره ميضأة، وخزانة شراب فيها جميع الشرابات والأدوية، وبلغت نفقة بنائه مائة وعشرين ألف دينار.
وقد بقى هذا الجامع عامرا مع ما حوله إلى زمن المستنصر، ثم خرّبت القطائع والعسكر، وفارقت الناس هذه الجهة، وخرب الجامع وما حوله، وصارت المغاربة تنزل فيه بأباعرها ومتاعها عندما تمر بمصر أيام الحج، واستمر على ذلك إلى أن استولى لاجين على الديار المصرية، وتلقب بالملك المنصور سنة ست وتسعين وستمائة، فأمر ببنائه، فبنى وبيض ورجع لما كان عليه، وعمر ما حوله إلى أن قتل الملك لاجين سنة ثمان وتسعين وستمائة، ثم سطت عليه غوائل الأزمان فتخرّب، وضاعت أوقافه. (انتهى).
وفى زمن الأمير محمد بيك أبى الذهب جعل ورشة لعمل الأحرمة الصوف وغيرها، وبعد ذلك اتخذ تكية للفقراء إلى الآن، ففيه اليوم جملة وافرة منهم أورثوه خرابا وتقذيرا، وجعلوا فيه عششا وأوكارا، ومع ذلك لم تتغير معالمه الأصلية، ووجد على بابه من داخله تجاه الميضأة لوح رخام مكتوب عليه بالخط الكوفى تاريخ إنشائه فى شهر رمضان سنة خمس وستين ومائتين. وقبلته من الرخام الملون، وعمده وطارته من الطوب الأحمر والجبس فى غاية الإتقان.
وله ثلاث مآذن اثنتان فى الجهة القبلية من الطوب، وسلالمهما من الداخل، والثالثة من الحجر سلمها من الخارج، وهذه غير مستعملة الآن، وهى من بناء ابن طولون، والسياحون للآن يقصدونها للفرجة عليها، ويعجبون من صنعتها.
وبداخل هذا الجامع زاوية صغيرة متخربة بجوار المنارة التى من الحجر، بها ضريح الشيخ البوشى.
وهناك سبيل تابع له.
قال المقريزى: وكان بجوار الجامع الطولونى دار أنشأها الأمير أحمد بن طولون عندما بنى الجامع، وجعلها فى الجهة القبلية، ولها باب من جدار الجامع يخرج منه إلى المقصورة بجوار المحراب والمنبر. (قلت): ويفهم من هذا أن هذه الدار كانت فى ظهر حائط القبلة، وكثيرا ما يعبر فى الحجج القديمة وفى مواضع كثيرة من المقريزى عن جهة القبلة بالقبلى. ثم