وقال المقريزى فى عقوده: كان شجاعا مقداما يحب أهل العلم ويجالسهم، ويجل الشرع النبوى ويذعن له ولا ينكر على الطالب أن يمضى من بين يديه إلى قضاة الشرع بل يعجبه ذلك، وينكر على أمرائه معارضة القضاة فى أحكامهم غير مائل إلى شئ من البدع، له قيام فى الليل إلى التهجد أحيانا، لكنه كان بخيلا مسيكا يشح حتى بالأكل لجوجا غضوبا نكدا حسودا معيانا يتظاهر بأنواع المنكرات فحاشا سبابا شديد المهابة حافظا لأصحابه غير مفرط فيهم ولا مضيع لهم، وهو أكبر أسباب خراب مصر والشام لكثرة ما كان يثيره من الشرور والفتن أيام نيابته بطرابلس ودمشق، ثم ما أفسده فى أيام ملكه من كثرة المظالم ونهب البلاد وتسليط أتباعه على الناس، وأرخ وفاته بعد تنوع الأسقام وتزايد الآلام قبيل ظهر يوم الاثنين تاسع المحرم وقد زاد على الخمسين، وصلى عليه خارج باب القلة وحمل إلى جامعه فدفن بالقبة قبيل العصر ولم يشهد دفنه كبير أحد من الأمراء والمماليك، واتفق فى أمره موعظة فيها أعظم عبرة وهو: أنه لما غسل لم توجد له منشفة ينشف بها فنشف بمنديل بعض من حضر غسله ولا وجد له مئزر تستر به عورته حتى أخذ له مئزر صوف صعيدى من فوق رأس بعض جواريه فستر به ولا وجد له طاسة يصب عليه الماء بها حين غسله مع كثرة ما خلفه من المال.
[واقعة الزرب]
وفى نزهة الناظرين: أن جماعة الزرب تحصنوا بالجامع المؤيد وبيان ذلك أنه فى سنة ست وسبعين وألف حصلت واقعة مهولة عرفت بواقعة/الزرب وأصلها:
أن جماعة من البغاة كانوا بالشام وخرجوا مع حسن باشا فى أراضى حلب وكثر منهم الأذى والفسق والفجور فانزعج منهم العالم ووصل خبرهم إلى مسامع السلطان محمد؛ فجرد عليهم فقتل منهم الكثير وانتهب أموالهم، والذى نجا منهم حضر إلى مصر وأخذ يتعيش فى سبب من الأسباب فمنهم من عمل خبازا يصنع الخبز ومنهم من أخذ يصنع الكباب ومنهم من دخل التكايا وتدروش، ومنهم من دخل العسكر بطائفة العزب والينكشارية وجعلوا ملجأهم إلى خمسة أشخاص منهم وهم: كور يوسف وأصلان وفضلى الميمنلى وقرافضلى وكورعلى. وأدخلوا معهم محمد بك أمير اللواء فكانوا عصبة للفساد برؤوسهم المذكرين وفتكوا بأمراء كثيرين ونهبوا أموالهم كدرويش كتخدا ومراد كتخدا وأويس بيك، وجعلوا بيت محمد بيك المذكور ديوانا لهم وقد اتسعت دائرته حتى صار له الحل والعقد فى جميع بلاد مصر، وقلد الوظائف العالية لأتباعه وأكثر من سفك الدماء فى العسكر فخربت من أجل ذلك الخانات وغلقت الدور وصودرت