ومن محاسنه إبطال عادة تقبيل الأرض، وكان ذلك معتادا من زمن من قبله من الملوك، حتى أبطله اكتفاء بتقبيل اليد. وحسّن النقود، حتى كانت نقوده من أجود الذهب والفضة، وكان الناس يرغبون فيها.
***
[تولية السلطان جمال الدين يوسف بن الأشرف]
ثم تولى ابنه السلطان جمال الدين يوسف بعهد من أبيه، وسنّه نحو خمس عشرة سنة، ولقب بالملك العزيز، فأقام ثلاثة أشهر وخلع، وبقى إلى أن مات بالإسكندرية فى أيام الظاهر خشقدم. وسبب خلعه أن المماليك الأشرفية لما رأوا تصرف الأتابكىّ جقمق العلائى واستقلاله، واحتقاره لسيدهم، قاموا عليه، وأرادوا قتله، فتعصّب معه بعض الأمراء والمماليك، وأوقعوا بمماليك الأشرف، فقتل من قتل منهم، وفرّ من فرّ، وخلعوا السلطان.
***
[تولية الأتابك أبى سعيد جقمق]
ثم تولى بعده الأتابك أبو سعيد جقمق المذكور أحد مماليك الظاهر برقوق، ولقّب بالملك الظاهر سيف الدين، ثم جاءت الأخبار بخروج نائب حلب ونائب دمشق عن طاعته، فقتلهما وعلّق رأسيهما على باب زويلة، فصفا له الوقت، وعمّر فى سلطنته جوامع ومساجد وقناطر وغيرها، وكان كثير الإحسان، وغزا قبرس، واستولى منها على كثير من الأموال والأنفس.
وفى مدته قام العبيد سنة ست وأربعين وثمانمائة، وتعصّبوا فى برّ الجيزة، وجعلوا لهم سلطانا ووزراء، فوجه إليهم جملة من المماليك، فقتلوا أكثرهم، ثم قبض على باقيهم، ووضع فيهم القيود، وباعهم فى المملكة العثمانية، وأخلى منهم الديار المصرية.
وفى سنة تسع وأربعين وثمانمائة وقع طاعون عظيم مات به كثير من الأغراب، وجاء بعده غلاء، بيع فيه الإردب من القمح بخمسة أشرفيات إلى سبعة، وغلا سعر كل شئ وعمّ الغلاء سائر البلاد، وشرق أكثر الأرض، وماتت البساتين والبهائم.
وفى سنة سبع وخمسين وثمانمائة مرض السلطان جقمق، فلما اشتدّ به المرض فوض السلطنة إلى ولده عثمان، ثم مات وعمره إحدى وثمانون سنة.