ثم إن سبب تخريب وادى سيتة، إنما هو كثرة إغارات العرب على ديوره ونهبها، وقتل كثير من رهبانها، وأسر جملة منهم، حتى فر من بقى منهم إلى ديور الصعيد، والبحيرة، وسكنوا الأمصار بدل البرارى، فإن العرب المعازة فى آخر القرن الرابع من الهجرة، هجموا على ديور الصحراء، وقتلوا الرهبان، ومن ضمنهم أبو موسى الأسود، ثم حصل مثل ذلك فى سنة ٤٣٠ أو فى سنة ٤٣٤، والأقباط يتبركون بقبور أربعين راهبا، ذبحوا فى هذه الصحراء. وفى زمن بطركية دميان حصلت الإغارة على الرهبان كذلك، وفى بطركية مرق حصلت الإغارة على وادى هبيب، وأحرقت الكنائس، وأخذ بعض الرهبان أسيرا، فتفرق باقيهم فى ديور الوجه البحرى والقبلى، وفى زمن الأب شنودة قصد البطرك التوجه إلى وادى هبيب، وعلم بذلك العرب فقاموا من الصعيد، وأغاروا على كنيسة مقار، واستولوا على الأبراج، ونهبوا كل ما بها من فرش وزاد، وفعلوا مثل ذلك فى الديور الأخرى، وفى زمن قيام بنى مدلج نهبت الديور، وقامت العرب فى الصحراء تلتقط كل من خرج من الرهبان للسقى، ولما حصل الأمن عمر البطرك دير مقار، وجعل عليه سورا متينا منيعا.
وفى زمن البطرك زكريا جعل عليه حرسا، وفى سنة اثنتين وستين وستمائة من الهجرة، سافر السلطان بيبرس البندقدارى إلى وادى هبيب للفرجة على ما فيه من الديور، فاطلع على أكثرها أو كلها، وزعم جبلنسكى أن وادى سيتة هو المسمى فى تاريخ بطاركة الإسكندرية باسم سقاطينة، وأنه كان يشتمل على اثنتين وثلاثين قرية، وأنكر ذلك كترمير وقال: إن هذا الاسم من الأسماء التى سمت بها العرب ويبعد وجود هذا القدر من القرى فى واد قد ساح فيه كثير من الإفرنج المتأخرين، مثل يرسبيرالبين وونسيلب وقبين والأب سيكار، وغيرهم ووصفه كل منهم بما لاح له، ولم يقولوا بمثل ذلك، ولو كان له صحة لذكروه.