ولما هلك الناصر بن قايتباى، تولى السلطنة بعده السلطان أبو سعيد قانصوه بن قانصوه الأشرفى خال الناصر محمد بن قايتباى المتقدم، سنة أربع وتسعمائة. أقامته أخته مقام ولدها، وعمره فوق العشرين، وهو جركسى الجنس، ولما حضر إلى مصر تبين أنه أخو خوند أصل باى، أم الملك الناصر المذكور. وكان فى مدة السلطان قايتباى من جملة الجمدارية، ولما تولى ابنه جعله خازندارا كبيرا، وصار يدعى بخال السلطان، فعظم أمره، وخلع عليه السلطان وظيفة دوادار كبير، ثم صار استادارا، فلما قتل السلطان محمد بن قايتباى - كما مر - وقع الاختيار عليه، وتلقب بالسلطان الملك الظاهر، ولم يقم بمصر قبل توليته السلطنة إلا ست سنين، ولم يتفق ذلك لجركسى قبله، فعدّ ذلك من سعده، فلذلك كانت الأمراء تحسده، وتحقد عليه، مع حسن تدبيره للأمور، فكانت الفتن غير منقطعة من القاهرة، وزاد على ذلك قيام العرب فى الصعيد والوجه البحرى، حتى حصل للأهالى الضرر الشامل، فتفرقت العساكر فى جهات مصر، وبددت شمل العرب، وأسروا منهم عددا وافرا.
وفى أثناء ذلك قام طومان باى، ومعه جملة من الأمراء، وحاصروا القلعة، وجرت بينهم وبين السلطان قانصوه أمور، انتهت بالقبض عليه وسجنه، فكانت مدته سنة وثمانية أشهر.
***
[تولية أبى النصر جانبلاط]
وتسلطن بعده السلطان أبو النصر جانبلاط الأشرفى سنة خمس وتسعمائة، ولقّب بالملك الأشرف، فأقام بها نصف سنة، وبنى المدرسة الجانبلاطية خارج باب النصر، وكانت الفتن كل يوم فى ازدياد. وقد أكثر المصادرات للأمراء والمباشرين واليهود والنصارى، للصرف على العساكر، فكثر الاضطراب والقال والقيل.
وفى أثناء ذلك وصلت الأخبار من الشام بأن جميع نوابها شقوا عصا الطاعة، ورفعوا لواء العصيان، فجهّز السلطان جيشا، ووجهه تحت قيادة الأمير طومان باى، فلما وصل قابله النواب، وسلّموا مقاليد الأمور إليه، وسلطنوه، ولقبوه بالعادل، وأخذوا فى أهبة السفر إلى مصر، فلما بلغ السلطان جانبلاط ذلك، حصّن القلعة، وجمع فيها الذخائر. فلما وصلوا حاصروا القلعة، وحصل قتال شديد فى الرميلة، وجهة باب الوزير والصليبة، واتّخذ جامع السلطان حسن معقلا، وكذا جامع شيخون، وحفرت الخنادق فى الصليبة، وحدرة البقر