للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونهبوا دورهم، ونهبت حارة زويلة، بما فيها من الدور، لأن آق بردى كان له بها حاصل ونهبت أيضا دور اليهود. واستمرّ النهب والقتل ثلاثة أيام بلا ممانع.

وفى خلال ذلك قتل تمراز الشمسى، وكان السلطان قد عيّنه فى الأتابكية، ثم انضم إلى آق بردى.

وبعد انقضاء هذه الحادثة أنعم السلطان على كثير من الأمراء، وأخذ فى تدبير الأحكام، مع طيش وخفة وقلة تبصر، فكانت مدته كلها شرا لجهله، وقبح أفعاله، ومعاشرته للعوام، والأراذل، فهتك حرمة المملكة، وأخلّ نظامها، وبلغ فى الخفة والطيش مالا يوصف، فمن ذلك أنه أهديت له مركب صغيرة، فجعلها فى البحيرة، ووضع بها مقدارا من الحلوى والفاكهة، والجبن المقلى، وصار ينزل بها، ويبيع كالبياعين، وأخرج جماعة من السجن، ووسّطهم بيده، والسياف يعلّمه كيف يوسط ويقطع الأيدى والآذان والألسن، وهو يفعل ذلك بيده … إلى أمثال ذلك من أفاعيل الطيش والخفة، وكثر شره وأذاه فى الرعية.

وكان يؤديه طيشه إلى أفعال منكرة وأعمال فظيعة، فمن ذلك أنه هجم على الدور التى حول بركة الرطلى هو وأولاد عمه، وأخذوا ما أعجبهم من النساء بالرغم عن أهلهن، فارتاب منه الناس، وضجرت منه الأمراء، وقصدوا له السوء، وترقبوا الفرصة لذلك، فاتفق أنه توجه مرة إلى برّ الجيزة، وأقام بها أياما فى اللهو واللعب، وعند رجوعه أكمن له الأمير طمانباى كمينا، فقتله هو وأولاد عمه بقرب قرية الطالبية من أعمال الجيزة، ونقلت جثثهم إلى تربة قايتباى، ودفن مع أبيه فى سنة أربع وتسعمائة. فكانت مدته سنتين وثلاثة أشهر وأياما، وعمره حين مات سبع عشرة سنة، وكانت أيامه بمصر أيام عناء وبلاء، لكثرة ما حصل فيها من الفساد والاضطراب والغلاء والفناء والمصادرات وجور السلطان، وأذى المماليك.

وقد أصاب البلاد الشامية أيضا نصيبها من ذلك، فلما وصل إليها آق بردى بعد خروجه من مصر - كما مر آنفا - أخذ فى الفساد والعسف فيها بالنهب والقتل، والحريق والتخريب، إلى أن مات سنة أربع وتسعمائة.

وكانت مصر والشام فى تلك الأيام على أسوأ حال، وانضاف إلى تلك البلايا أن ظهر داء يقال له الحب الإفرنجى سنة ثلاث وتسعمائة، فأعيا الأطباء أمره، ولم يظهر بمصر قط، إلا فى ذلك التاريخ.

وانضم لذلك أيضا فساد المعاملة، وكثرة الفلوس الجدد بأيدى الناس، حتى صارت البضائع تباع بسعرين سعر بالفضة وسعر بالفلوس، وأضرّ ذلك بالعام والخاص.