النيل مدة فيضانه يفيض على الأرض بما يزيد به خصبها، وعلى الأهالى بما تزيد به أفراحهم ومسراتهم، وكان للملوك والأمراء والأعيان ووجوه الناس بيوت غير المبانى المذكورة، يجعلونها فى السفن، وفيها جميع اللوازم، يسافرون فيها فوق النيل فى أوقات الزيادة، وينتقلون منها إلى قصورهم ومنازلهم بالجهات، أو يسكنون فيها ولا يفارقونها مدة السياحة، وكان بين هذه السفن على حسب الدرجات سفن أخرى وهى أقل كلفة من السفن الأولى، بعضها للأتباع والحرم، والبعض مخازن ومطابخ للأطعمة والأشربة وما فى معنى ذلك. وكان لهم قوارب وفلائك صغيرة للبريد وجلب الأشياء اللازمة من جميع الأمكنة.
وكانت العادة إنه فى دخول أوقات السفر؛ تصدر أوامر الملوك/والأمراء لأتباعهم، بتجهيز ما عساه يلزم من كل نوع، فكانت هذه الأوقات أوقات فرح عام لجميع الناس، تزيد فيها درجات الأخذ والعطاء والبيع والشراء، ولذلك كانت الأهالى تعد هذه الأوقات من أحسن أوقاتهم؛ لأنهم كانوا يتوصلون فيها إلى التصرف فى جميع ما أعدّ للبيع من أشيائهم، وشراء ما يرون فيه نفعهم، وكان ذلك باعثا لهم على اقتناء كثير من أنواع الطيور والحيوانات بقصد التجارة فيها والربح منها، وكانت الأهالى تعرف من بعد لمن هذه السفن بمجرد رؤيتهم لها، بسبب أن سفن الملك وعائلته كانت مميزة عن باقى السفن، بل ما هو خاص بالملك مميز عما هو خاص بعائلته، وكانت سفن الأمراء مميزة على حسب درجاتهم، بحيث لا تشتبه بسفن العائلة الملوكية أو غيرها، وكذلك سفن الأعيان وغيرهم.
[[مطلب بيان صفة سفن الملك والأمراء]]
وذلك لأن سفن الملك كانت مركبة من أربع طبقات؛ بعضها فوق بعض، ارتفاع كل طبقة عشرة أقدام، وكانت مذهبة من داخلها وخارجها،