للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشيدة ما لا حصر لعدده، وكان يتخلل ذلك فى المسافات الفاصلة بينها كثير من المدن والبلدان الكبيرة والصغيرة، ويحيط بجميعها فى امتداد الشاطئين كثير من الأشجار والبساتين، بحيث كان لا يرى فى جميع هذه المسافة الطويلة غير فرج صغيرة يرى منها الجبل على بعد فى الجهتين، ويرى ما أنشئ بأعلاهما من المبانى العالية، فكان المسافر فوق النيل، والمسافر على شواطئه ينزه طرفه، تارة بنظره إلى المبانى المشيدة الفخيمة، وتارة إلى ما يخرج من الأرض من النباتات النضرة المتنوعة، فكانت جميع حواسه تتقلب فى تلذذات متغيرة تبعث على الشخص أفراحا متعاقبة، تورثها نشاطا وقوة، وتبعد عنه متاعب الطريق، وتحثه على زيادة الجولان، ليرى المآثر الموروثة عمن قبله من الأجيال، فيعجب بوطنه وأهله وينطق لسانه بالشكر والثناء لمدبر أموره. وكان للملوك فى كل مديرية من مديريات القطر سرايات ينتقلون إليها فى أوقات معلومة أيام الزيادة، وكان جميعها على شاطئ النيل، وكان لأعيان الدولة ورجالها مثل ذلك، وكان جميعها قريبا من سرايات الملوك، وتحيط بكل منها بساتين عظيمة الاتساع، يشتمل داخلها على ما يلذ طعمه وتستطاب رائحته، وكانوا يتفاخرون بما يجلبونه من الأشجار النادرة الغريبة، وكان لهم بذلك مزيد الاعتناء، بسبب أن الملوك وأولادهم كانوا فى أوقات أسفارهم يشرّفونهم بنزولهم فى منازلهم، وبقبول الضيافة منهم، فكانت هذه العوائد الحسنة تجلب ما لا حصر له من الفوائد لجميع سكان القطر من أمير ومأمور، لأن فى هذه الأسفار كانت الملوك فضلا عن تفقدهم أحوال البلاد، تسمع دعاوى الأهالى وشكواهم، وتحكم فيها بما يوافق الحال، طبقا للقوانين المربوطة المؤسسة على دوام الثروة والقوة، فكان كل من الناس - كبيرا كان أو صغيرا - يأخذ له نصيبا مما يصرف فى تلك الأسفار، وكانت على العادة تدوم مدة الزيادة. وكان