قال المقريزى: هذه المدرسة بخطّ الفهادين من أول العطوفية بالقاهرة، كان موضعها كنيسة تعرف بكنيسة الفهادين، فلما كانت واقعة النّصارى فى سنة ست وخمسين وسبعمائة، هدمها الأمير فارس الدين ألبكى قريب الأمير سيف الدين آل ملك الجوكندار، وبنى هذه المدرسة ووقف عليها وقفا يقوم بما تحتاج إليه انتهى. والآن هذه المدرسة يتوصل إليها من حارة الجوانية التى هى كانت أول العطوفية، وهى تجاه دير كبير عظيم البنيان داخل حارة الجوانية المذكورة، وهذا الدير تابع لدير الطور.
وهذه المدرسة قد تهدّمت ولم يبق منها إلا قطعة صغيرة خربة مشهورة بالزاوية الخربانة، ليس بها سقف ولا بنيان، ومنارتها لم تزل قائمة إلى نحو سنة ثمانين ومائتين وألف، فهدموها بدعوى الخوف من سقوطها، وبقى العمود الخشب الذى كان قائما فى وسطها إلى يومنا هذا.
[المدرسة الفاضلية]
قال المقريزى: هذه المدرسة بدرب ملوخيا من القاهرة، بناها القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على البيسانى بجوار داره فى سنة ثمانين وخمسمائة، ووقفها على طائفتى الفقهاء الشافعية والمالكية، وجعل فيها قاعة للإقراء أقرأ فيها الإمام أبو محمد الشاطبى ناظم الشاطبية ثم تلميذه القرطبى، ووقف بهذه المدرسة جملة عظيمة من الكتب فى سائر العلوم، يقال أنها كانت مائة ألف مجلد وذهبت كلها، وكان أصل ذهابها أن الطلبة التى كانت بها لما وقع الغلاء بمصر سنة أربع وتسعين وستمائة مسّهم الضر؛ فصاروا يبيعون كل مجلد برغيف خبز، حتى ذهب معظم ما كان فيها من الكتب، ثم تداولت أيدى الفقهاء عليها بالعارية فتفرقت وبها مصحف قرآن كبير القدر جدا مكتوب بالخط الكوفى تسميه العامة مصحف عثمان بن عفان، ويقال: أن القاضى الفاضل اشتراه بنيف وثلاثين ألف دينار على أنه مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁، وهو فى خزانة مفردة له بجانب المحراب من غربيه وعليه مهابة وجلالة، وإلى جانب المدرسة كتاب برسم الأيتام. وقد كانت من أعظم مدارس القاهرة فتلاشت لخراب ما حولها.