وإنما عرف بجامع فتح لنزول شخص به، يقال له فاتح، فقالت العامة جامع فتح، وإنما هو:
فاتح بن عثمان الأسمر التكرورى، قدم من مراكش إلى دمياط على قدم التجريد، وسقى بها الماء فى الأسواق احتسابا من غير أن يتناول من أحد شيئا، ونزل فى ظاهر الثغر، ولزم الصلاة مع الجماعة، وترك الناس جميعا، ثم أقام بناحية تونة من بحيرة تنيس وهى خراب نحو سبع سنين، ورمّ مسجدها، ثم انتقل من تونة إلى جامع دمياط، وأقام فى وكر فى أسفل المنارة من غير أن يخالط أحدا إلا إذا أقيمت الصلاة خرج وصلى، فإذا سلم الإمام عاد إلى وكره، فإذا عارضه أحد بحديث كلمه وهو قائم بعد انصرافه من الصلاة، وكانت حاله أبدا إتصالا فى انفصال، وقربا فى ابتعاد، وانسا فى نفار. وحج فكان يفارق أصحابه عند الرحيل فلا يرونه إلا وقت النزول، ويكون سيره منفردا عنهم، لا يكلم أحدا إلى أن عاد إلى دمياط. فأخذ فى ترميم الجامع وتنظيفه بنفسه، حتى نقى ما كان فيه من الوطواط بسقوفه، وساق الماء إلى صهاريجه، وبلط صحنه، وسبك سطحه بالجبس وأقام فيه،-وكان قبل ذلك من حين خربت دمياط لا يفتح إلا يوم الجمعة فقط -فرتب فيه إماما راتبا يصلى الخمس، وسكن فى بيت الخطابة، وواظب على إقامة الأوراد به، وجعل فيه قراء يتلون القرآن بكرة وأصيلا، وقرر فيه رجلا يقرأ ميعادا يذكر الناس ويعلمهم.
وكان يقول:«لو علمت بدمياط مكانا أفضل من الجامع لأقمت فيه، ولو علمت فى الأرض بلدا يكون فيه الفقير أخمل من دمياط لرحلت إليه وأقمت به».
وكان إذا ورد عليه أحد من الفقراء ولا يجد ما يطعمه باع من لباسه ما يضيفه به، وكان يبيت ويصبح وليس له معلوم، ولا ما تقع عليه العين أو تسمعه الأذن.
وكان يؤثر فى السر الفقراء والأرامل، ولا يسأل أحدا شيئا، ولا يقبل غالبا، وإذا قيل ما يفتح الله عليه آثر به.