زمن الفاطميين من الرمال التى تراكمت حول مركب غرقت كانت تسمى «بالفيل»، ثم عم الماء طريق شبرى والمنية وامتد إلى حدود الحسينية، وحصل من ذلك ردم الآبار، ودخل الماء داخل جامع الحاكم من ميضأته، وتلف من هذا الغرق بيوت كثيرة من جزيرة الروضة التى غرقت عن آخرها، وانقطع المرور إلى بولاق بسبب أن الماء قطع الطريق فى مواضع متعددة، وهدمت منازل كثيرة، وقد بقى هذا الأمر إلى آخر شهر بابه، وكان هذا لم ير مثله فى الإسلام، وخرجت الناس إلى الصحراء، وتضرعت إلى الله بالدعاء، فأغيثت، ونقص الماء، ولكن أعقب هذا الغرق الطاعون، فخرّب بلاد مصر.
وفى سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بلغ النيل اثنين وعشرين ذراعا وبعض أصابع، وبقى على هذا الارتفاع إلى آخر شهر هاتور، وخافت الناس، ولكن حصل تنازل مائه وحصل الزرع. ثم فى سنة خمس وسبعين وسبعمائة تأخر النيل إلى النيروز، ووقف على إصبعين قبل حد الوفاء، ثم نزل مع السرعة، فأمر السلطان بالصلاة فى جامع عمرو، فاجتمع عالم كثير من العلماء والصالحين، ومع ذلك حصل نزول الماء فى هذا اليوم خمسة أصابع، وضجرت الأهالى فأغيثوا من قبل الله بمطر شديد عم الأرض، وأمكن الناس زرع بعض الحب، وبعد السابع من شهر توت علا النيل اثنى عشر إصبعا فى يوم واحد، وبعد ذلك بيومين علا ثمانية أصابع، ففرح الناس بذلك، ولكن لم يستمر ونقص، وحصل من ذلك قحط وأعقبه وباء، وقطع الخليج فى تسع من شهر توت، ومع ذلك كان الباقى على حد الوفاء خمسة أصابع، وفى اليوم المذكور انحط النيل، واغتم لذلك الخلق.
[(مقياس النيل فى زمن الملوك الجراكسة)]
هذه المدة تشتمل على تاريخ المقياس مدة مائة وأربعين سنة، من ابتداء استيلاء الجراكسة على الديار المصرية سنة/أربع وثمانين وسبعمائة هجرية إلى وقت دخول السلطان سليم الأول سنة أربع وعشرين وتسعمائة