هجرية، وفى هذه المدة لم تحصل عمارة فى المقياس كما فى المدة السابقة. وفى زمن الملك الناصر فرج سنة إحدى عشرة وثمانمائة من الهجرة حصل الوفاء، وتوجه الملك بنفسه، وقطع الخليج، وفى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة بلغ النيل اثنين وعشرين ذراعا، وصلب إلى نصف شهر هاتور، وغرقت أراض وبساتين فى جزيرة الفيل، وقطعت الطرق والجسور، ووصل الماء إلى دور الحسينية. وفى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة تأخر النيل عن الوفاء، وغلت الأسعار، وأمر السلطان بصيام ثلاثة أيام، ولم يرتفع النيل؛ فتوجه السلطان والخليفة والقضاة والعلماء والصالحون والأهالى إلى الصحراء، لأجل أن يستسقوا، وكان السلطان لابسا جبّة من صوف وعليه مئزر من الصوف ملفوف على عمامة مدورة، وطرف من أطراف المئزر ملقى على ظهره، فلما دخلوا الصحراء خطب قاضى القضاة جلال الدين البلقينى خطبة الاستسقاء، وكان السلطان ساجدا على الرمل ويلقى العبرات من عينيه ويدعو الله أن يغيثهم ويسقيهم الماء. وبعد رجوعهم إلى مصر فى ثانى يوم، زاد النيل اثنى عشر قيراطا، ثم استمر يزيد إلى أن حصل الوفاء، وقطع الخليج، ومع هذا فلم يرتفع النيل ارتفاعا كافيا فتعطل نصف الأراضى عن الزراعة، وحصل قحط وغلاء. وفى سنة أربع وعشرين وثمانمائة زاد النيل فى أول يوم المناداة اثنين وثلاثين إصبعا، فحصل من ذلك فرح عام، وفى ليلته توجه السلطان وركب مركبه، وصلى صلاة التسابيح على ظهر [النيل](١)، وفى صبيحتها حصلت الزيادة المذكورة، فحصل للسلطان من ذلك غاية الفرح، وكان ارتفاع الماء القديم عشرة أذرع، وحصل الوفاء فى أول مسرى، وبلغ ارتفاع النيل ثمانية عشر ذراعا فى هذه السنة. وفى سنة أربع وخمسين وثمانمائة انحط ماء النيل حتى صار مبلغ التحاريق ستة أذرع وبعض أصابع، ثم أخذ فى الصعود، ووقف قبل أن يصل إلى حد الوفاء على أربعة
(١) فى الأصل: الفيل. ولعل الصحيح ما أثبتناه وفقا للسياق.