وهذا ما وعدناك به من ترجمة أبى بكر الماردانى، قال المقريزى: إن أبا بكر محمد بن على الماردانى حبس على الحرمين ضياعا كان ارتفاعها نحو مائة ألف دينار، ومنها سيوط وأعمالها، وذلك فى أوائل القرن الرابع. وأبو بكر هذا ولد بنصيبين لثلاث عشر خلت من ربيع الأول سنة مائتين وثمان وخمسين، وقدم إلى مصر فى سنة مائتين واثنتين وسبعين وخلف أباه على بن أحمد الماردانى أيام نظره فى أمور أبى الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وسنه يومئذ خمس عشرة سنة وكان معتدل الكتابة ضعيف الحظ من النحو، ومع ذلك فكان يكتب إلى الخليفة فمن دونه على البديهة، من غير نسخة، فيخرج الكتاب سليما من الخلل.
ولما قتل أبوه فى سنة مائتين وثمانين استوزره هارون بن خمارويه، فدبر أمور مصر إلى أن قدم محمد بن سليمن الكاتب من بغداد إلى مصر، وأزال دولة بنى طولون وحمل رجالهم إلى العراق، فكان أبو بكر ممن حمله فأقام ببغداد إلى أن قدم صحبة العساكر لقتال خباسه، فدبر أمر البلد، وأمر ونهى، وحدث بمصر عن أحمد بن عبد الجبار العطاردى وغيره بسماعه منه فى بغداد، وكان قليل الطلب فى العلم، تغلب على قلبه محبة الملك وطلب السيادة، ومع ذلك كان يلازم تلاوة القرآن، ويكثر من الصلاة، ويواظب على الحج، وملك بمصر من الضياع ما لم يملكه أحد قبله، وبلغ ارتفاعه فى كل سنة أربعمائة ألف دينار سوى الخراج، ووهب وأعطى وولى وصرف، وأفضل ومنع، ورفع ووضع، وحج سبعا وعشرين حجة، أنفق فى كل حجة مائة وخمسين ألف دينار، وكان تكين أمير مصر يشيعه إذا خرج للحج ويتلقاه إذا قدم، وكان يحمل إلى الحجاز جميع ما يحتاج إليه، ويفرق بالحرمين الذهب والفضة والثياب والحلوى والطيب والحبوب، لا يفارق أهل الحجاز إلا وقد أغناهم.