للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فزجرهم فلم ينزجروا، بل زادوا فى الطغيان، وفتكوا بالناس، وتجاوزوا حدود الله، وخرجوا عن طاعة الله ورسوله وأولى الأمر، فاضطر الوالى لمحاربتهم، فأعدّ لهم ما استطاع من القوة، ووجّه عليهم المدافع، وكانوا قد تحصنوا بجامع المؤيد، فحاصرهم فيه، وقاتلهم قتالا شديدا، مات فيه خلق كثيرون، وخربت عمائر كثيرة فى السكرية والداودية، وقصبة رضوان، والدرب الأحمر، وتحت الربع، وما جاور ذلك، ثم بعد معاناة شديدة أخذوا وقتلوا، واكتفى الناس شرهم.

ثم تبع ذلك فى سنة إحدى وثمانين بعد الألف حريق هائل فى جهة باب زويلة، واستمر أياما حتى مات فيه خلق كثيرون، وتخرب فيه غالب عمائر تلك الجهة.

***

[ولاية على باشا قلج]

ولما دخلت سنة اثنتين بعد المائة والألف كان الفساد قد بلغ منتهاه، وانتشرت العرب للفساد فى كل جهة، وكان الحاكم إذ ذاك على باشا قلج، فعجز عن ردع المفسدين وتأمين الرعايا، وتسبب عن ذلك انقطاع ورود الغلال إلى الشون السلطانية، وخلت الخزينة من الأموال، فلم يتمكن من صرف مرتبات الحرمين ولا غيرهما، كجهات الأوقاف، والعلماء والأشراف والأيتام والأرامل.

وكان قد اتسع نطاق الحمايات وكانت عادة، اتخذها العسكر من قديم، فكثرت فى تلك المدة، فكان كل طائفة من العسكر تأخذ فى حمايتها حملة من التجار أو المزارعين، أو الملاحين فى البحر، فيقتسمون مع الناس أرباحهم، ويمنعونهم من أداء حقوق الحكومة، ولا يتمكن الحاكم من التعرض لأحد منهم. فلما تولى الحكم على باشا قلج بذل جهده فى إبطال الحمايات، حتى أبطلها، وحارب العرب، حتى قمعهم، وأفنى منهم الكثير، فهدأت الأمور، وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم، لكن حصل من الغلاء والوباء ما فاقت شدته على تلك الحالة.

[ولاية حسين باشا الوزير]

وفى سنة تسع عشرة ومائة وألف كان الحاكم بمصر حسين باشا الوزير، وكان قد حجر على العساكر، ومنعهم مما كانوا يفعلونة، فضجوا من ذلك، وقاموا علية قومة واحدة وحاصروه بالقلعة، ونهبت البلد، وأغلقت الحوانيت والخانات، وتعطلت الأسواق.

وفى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف، حصلت من العسكر قومة أعظم من تلك القومة، وحاصروا الوزير خليل باشا، وانقطع المرور من طريق المحجر وعرب اليسار والرميلة،