[مطلب الكلام على الحريق الذى وقع بالقاهرة ومصر فى عدة مواضع]
ثم لم يمض سوى شهر من يوم هدم الكنائس حتى وقع الحريق بالقاهرة ومصر فى عدة مواضع، وحصل فيه من الشناعة أضعاف ما كان من هدم الكنائس، فوقع الحريق فى ربع بخط الشوائين من القاهرة فى يوم السبت عاشر جمادى الأولى، وسرت النار إلى ما حوله، واستمر إلى آخر يوم الأحد، فتلف فى هذا الحريق شئ كثير، وعند ما أطفئ وقع الحريق بحارة الديلم، وكانت ليلة شديدة الريح، فسرت النار من كل ناحية حتى وصلت إلى بيت كريم الدين ناظر الخاص، وبلغ ذلك السلطان، فانزعج انزعاجا عظيما، لما كان هناك من الحواصل السلطانية، وسير طائفة من الأمراء لإطفائه، فجمعوا الناس، وقد عظم الخطب، وتزايد الحال فى اشتعال النار، وعجز الأمراء والناس على إطفائها لكثرة انتشارها فى الأماكن وقوة الريح التى ألقت باسقات النخل، وغرقت المراكب، فلم يشك الناس فى حريق القاهرة كلها، وصعدوا المآذن، وبرز الفقراء وأهل الخير والصلاح، وضجوا بالتكبير والدعاء،
واستمر الحريق والاستحثاث يرد على الأمراء من السلطان فى إطفائه إلى يوم الثلاثاء، فنزل نائب السلطان ومعه جميع الأمراء وسائر السقائين، ونزل الأمير بكتمر الساقى، فكان يوما عظيما، لم ير الناس أعظم منه، ولا أشد هولا.
ووكل بأبواب القاهرة من يرد السقائين، إذ اخرجوا لأجل إطفاء النار، فلم يبق أحد من سقائى الأمراء وسقائى البلد إلا وعمل، وصاروا ينقلون الماء من المدارس والحمامات، وأخذ جميع النجارين والبنائين لهدم الدور، فهدم فى هذه النوبة ما شاء الله من الدور العظيمة، والرباع الكبيرة، وعمل فى هذا الحريق أربعة وعشرون أميرا من الأمراء المقدمين، سوى من عداهم من أمراء الطبلخانات والعشراوات والمماليك، وصار الماء من باب زويلة إلى حارة الديلم فى الشارع بحرا من كثرة الرجال والجمال التى تحمل الماء، ووقف الأمير بكتمر الساقى والأمير أرغون النائب على نقل الحواصل السلطانية من بيت كريم الدين إلى بيت ولده بدرب الرصاصى، وخربوا ست عشرة دارا من جوار الدار وقبالتها حتى تمكنوا من نقل الحواصل، فما هو إلا أن أكمل إطفاء الحريق ونقل الحواصل، وإذا بالحريق قد وقع فى ربع الظاهر خارج باب زويلة، وكان يشتمل على مائة وعشرين بيتا، وتحته قيسارية تعرف بقيسارية الفقراء، وهب مع الحريق ريح قوية، فركب الحاجب والوالى لإطفائه، وهدموا