للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدة دور من حوله حتى انطفأ، فوقع فى ثانى يوم حريق بدار الأمير سلار فى خط بين القصرين، فوقع الاجتهاد فيه حتى أطفئ، فأمر السلطان الأمير علم الدين سنجر الخازن والى القاهرة، والأمير ركن الدين بيبرس الحاجب بالاحتراز واليقظة، ونودى بأن يعمل عند كل حانوت دن فيه ماء، أو زير مملوء بالماء، وأن يقام مثل ذلك فى جميع الحارات والأزقة والدروب، فبلغ ثمن كل دن خمسة دراهم بعد درهم، وثمن الزير ثمانية دراهم، ووقع حريق بحارة الروم وعدة مواضع، حتى أنه لم يخل يوم من وقوع الحريق فى موضع، فتنبه الناس لما نزل بهم، وظنوا أنه من أفعال النصارى، وذلك أن النار كانت ترى فى منابر الجوامع وحيطان المساجد والمدارس، فاستعدوا للحريق وتتبعوا الأحوال، حتى وجدوا هذا الحريق من نفط قد لف عليه خرق مبلولة بزيت وقطران.

فلما كان ليلة الجمعة النصف من جمادى الأولى قبض على راهبين عند ما خرجا من المدرسة الكهارية بعد العشاء الأخيرة، وقد اشتعلت النار فى المدرسة ورائحة الكبريت فى أيديهما، فحملا إلى الأمير علم الدين الخازن والى القاهرة، فأعلم السلطان بذلك، فأمر بعقوبتهما، فما هو إلا أن نزل من القلعة، وإذا بالعامة قد أمسكوا نصرانيا وجد فى جامع الظاهر ومعه خرق على هيئة الكعكة، فى داخلها قطران ونفط، وقد ألقى منها واحدة بجانب المنبر، وما زال واقفا إلى أن خرج الدخان، فمشى يريد الخروج من الجامع، وكان قد فطن به شخص وتأمله من حيث لم يشعر به النصرانى، فقبض عليه وتكاثر الناس فجروه إلى بيت الوالى وهو بهيئة المسلمين، فعوقب عند الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب، فاعترف بأن جماعة من النصارى قد اجتمعوا على عمل نفط وتفريقه مع جماعة من أتباعهم، وأنه ممن أعطى ذلك، وأمر بوضعه عند منبر جامع الظاهر، ثم أمر بالراهبين فعوقبا، فاعترفا أنهما من سكان دير البغل، وأنهما هما اللذان أحرقا المواضع التى تقدم ذكرها بالقاهرة غيرة وحنقا من المسلمين لما كان من هدمهم الكنائس، وأن طائفة النصارى تجمعوا وأخرجوا من بينهم مالا جزيلا لعمل هذا النفط، واتفق وصول كريم الدين ناظر الخاص من الإسكندرية، فعرفه السلطان ما وقع من القبض على النصارى، فقال النصارى لهم بطرك، يرجعون إليه ويعرف أحوالهم فرسم السلطان بطلب البطرك عند كريم الدين ليتحدث معه فى أمر الحريق وما ذكره النصارى من قيامهم فى ذلك.