ذلك بالمراكب كما فى مدينة القسطنطينية أو بالعبور على قنطرة كما فى مدينة بابل، قلنا: ليس أحد الأمرين متحققا إلاّ أن الظاهر هو الأول، لأنه لو كان عمل على النيل فيما سبق قنطرة، لبقى بعض آثارها إلى الآن، ولا يؤخذ من ذلك أن المصريين كانوا يجهلون عمل القناطر، فإنه وجد على بعض آثار هذه المدينة صورة قنطرة مرسومة.
[[معجزات المصريين المعمارية]]
فإذا صحبتنا فى السير بين هاتيك الآثار، أطلعناك على كثير منها، فنبدأ أولا بالكرنك فنجد به بابا جسيما مرتفعا ارتفاعا فوق المعتاد، ومع ذلك يظهر للرائى أنه لم يتم، فإذا دخلنا منه وجدنا فى دهليزه أعمدة كثيرة، جميعها واقع على الأرض ما عدا واحدا منها، وحول تلك الأعمدة قطع تشبه التيجان والكراسى، ورأينا فى مواجهة ذلك الباب، بابا عظيما كالأول، أمام الإيوان المسمى بإيوان الكرنك أحد جهاته مهدوم، والصخور التى حصلت من هدمه متراكم بعضها فوق بعض كجبل مزقته الزلازل، وأمام باب هذا الإيوان تمثال قائم هائل الصورة قد سطت عليه أيدى الهوان فأتلفت معالمه، وهو صورة سيزوستريس، والداخل فى تلك العمارة عند التفاته لمشتملاتها يحصل له الدهشة والحيرة خصوصا إذا كان لم يسبق له رؤية مثل هذا الإيوان الذى طوله ثلثمائة وتسعة عشر قدما، وعرضه مائة وخمسون قدما، وله مائة وأربعة وثلاثون عمودا كل واحد مثل البرج، قطر كل عمود أحد عشر قدما، وارتفاعه سبعون قدما، وجميعها موضوعة صفوفا فوق أرض الإيوان، وعليها تيجان ضخمة، محيط الواحد منها خمسة وستون قدما، وفوق تلك التيجان سقف من الصخور منقوش بالكتابة المقدسة العتيقة، وكذا جدرانه وأعمدته، ومن العجيب أن من نظر لهذا الإيوان رأى ما بقى منه فى غاية من المتانة والحفظ، كأنه تم بناؤه بالأمس، مع أنه مضى عليه ما ينيف عن ثلاثة آلاف سنة.