الشقة موضعا للترب ومقابر أهل الحسينية والقاهرة إلى بعد السبعمائة، ثم لم تعمر هذه الشقة إلا فى الدولة التركية، لا سيما لما تغلب التتر على ممالك الشرق والعراق وقفل الناس إلى مصر، فنزلوا بهذه الشقة وبالشقة الأخرى، وعمروا بها المساكن، ونزل بها أيضا أمراء الدولة، فصارت من أعظم عمائر مصر والقاهرة، واتخذ الأمراء بها من بحريها - فيما بين الريدانية إلى الخندق - مناخات الجمال وإصطبلات الخيل، ومن ورائها الأسواق، والمساكن العظيمة فى الكثرة.
وما زال أمر الحسينية متماسكا إلى أن كانت الحوادث والمحن سنة ست وثمانمائة وما بعدها فخربت حاراتها، ونقضت مبانيها، وبيع ما فيها من الأخشاب وغيرها، وباد أهلها.
[مطلب ظهور الأرضة]
ثم حدث بها بعد سنة عشرين وثمانمائة آية من آيات الله تعالى، وذلك أنه بدا بناحية برج الزيات - فيما بين المطرية وسرياقوس - فى أعوام بضع وستين وثمانمائة فساد الأرضة التى من شأنها العبث فى الكتب والثياب، فأكلت لشخص نحو ألف وخمسمائة قفة دريس، فكنا لا نزال نتعجب من ذلك، ثم فشت هناك وشنع عبثها فى سقوف الدور، وسرت حتى عاثت فى أخشاب سقوف الحسينية، وغلات أهلها، وسائر أمتعتهم، حتى أتلفت شيئا كثيرا، وقويت حتى صارت تأكل الجدران، فبادر أهل تلك الجهة إلى هدم ما بقى من الدور خوفا عليها من الأرضة شيئا بعد شئ، حتى قاربوا باب الفتوح وباب النصر.
وقد بقى منها اليوم قليل من كثير يخاف إن استمرت أحوال الإقليم على ما هى عليه من الفساد أن تدثر وتمحى آثارها كما دثر سواها. (اه).
[مطلب الكلام على الجوامع التى كانت بهذه الخطة]
وذكر المقريزى أيضا أنه كان فى خارج خط الحسينية عدة جوامع وزوايا ومدارس:
فمنها جامع آل ملك (هو المدرسة الجنبلاطية على غالب الظن). قال: إنه فى الحسينية خارج باب النصر أنشأه الأمير سيف الدين الحاج آل ملك. قال: وكمل وأقيمت فيه الجمعة وخطب فيه يوم الجمعة تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. (اه).
وقد تخرب هذا الجامع الآن، ولم يبق له أثر.
والأمير سيف الدين هذا أصله مما أخذ فى أيام الملك الظاهر من كسب الأبلستين. ستأتى ترجمته عند ذكر مدرسته بشارع أم الغلام إن شاء الله تعالى.