ظهر فى إسكندرية رجل يقال له (أريوس)، وفى كون أصله من القيروان أو من إسكندرية خلاف، وكان قد بلغ درجة عالية فى العلوم وعرف بالفصاحة فى زمن (أسبين) وكان لين العريكة، طلق اللسان، عذب الألفاظ، فبسبب هذه الأمور، تحصل فى زمن هذا الحاكم على أن يكون قسيسا فى كنيسة من كنائس إسكندرية، وبقى فيها إلى موت (أشيىّ) ثم قام وطلب أن يكون بطريقا بإسكندرية لموت البطريق الذى كان فيها، فاختلف الناس فى ذلك، ثم اختاروا (إسكندر) وقلدوه البطريقية، فبغضه وعاداه من ذلك الحين، وصار ينسب إليه ما يشينه فى كل مجلس، مع كونه متصفا بحميد الصفات، وحسن العقيدة. فلما لم يجد (أريوس) بدا من نيل أغراضه، غير أسلحة عدوانه، وأخذ يذم عقيدته، وينسبه للجهل.
وكان فيما يدرسه (إسكندر) للقسس: أن الإبن يساوى الأب، وأن مادة الاثنين واحدة، فعلى هذا يكون التثليث وحدة بلا خلاف، فنقض (أريوس) هذا عليه، وقال:
إن كان للولد علوق، فبالضرورة يكون له أول، وقد مر زمن لم يكن فيه موجودا، فيكون وجوده بعد عدم، فلم تكن مادته مادة الأب.
وفى مبدأ الأمر نصح (إسكندر)(أريوس) لعله ينتهى، فلم يزدد إلا طغيانا. ودخل معه فى رأيه ومذهبه كثير من الأهالى، فلما رأى (إسكندر) منه ذلك طرده من وظائفه، فنشأ من ذلك: أن قام كل حزب على الآخر، فكان ذلك فى كل مدينة وقرية، من القطر المصرى، وصار لا يسمع غير محاورات ومناقشات فى هذا الشأن، وصار كل بيت أو مجمع كأنه مدرسة، لا يسمع فيه إلا المباحثة، فأنتج ذلك كون عامة الخلق الذين عادتهم أن يميلوا مع الغالب، صاروا تارة مع هذه الفرقة، وتارة مع الأخرى.