وحيث أن الحزب لا يقوى إلا بميل الحكومة لمذهبه، فكانت الأهالى عرضة للإساءة، ودخل الفشل جميع البيوت، وقامت أفراد العائلات على بعضها، وعادى الأخ أخاه، والأب ابنه.
وعمت هذه البلوى جميع الديار المصرية، من أقصى الصعيد إلى إسكندرية، فلما بلغ قسطنطين أمر بانعقاد جمعية من رؤساء الديانة، لفصل الكلام فى المسائل الخلافية، وكان ذلك فى سنة ٣٢٥ من الميلاد، فاجتمع من الأحبار جمع عظيم بمدينة أزنيق، التابعة لولاية بروسه، وسألوا فى المسئلتين الموجبتين للاختلاف:
الأولى: فى أى يوم يكون عيد الباك (عيد الفصح)؟
والثانية: هل مادة الإبن غير مادة الأب كما يزعم (أريوس) وحزبه، أو هما من مادة واحدة، كما تعتقد الطائفة الأخرى؟
وكانت جميع الأساقفة، وأحبار الأمة النصرانية، مجتمعة ما بين مشرقيين ومغربيين، وحضر (أريوس) وشرح مذهبه، وأقام البراهين عليه، فكان تارة يستدل بعبارات الإنجيل، وتارة يسبح فى بحور الفصاحة ويغوصها، ويستخرج منها درر المعانى، ويكلل بها تاج مذهبه، حتى بهر عقول الحاضرين.
وكان بالمجلس شاب من تلامذة بطريق إسكندرية، والمقربين عنده، يقال له (عطاناز (١) فقام، وأخذ يقيم الأدلة على بطلان ما ادعاه (أريوس) ويتكلم على كل دعوى بما ينقضها من أسها-سواء كانت معقولة أو منقولة-حتى تحول جميع من/بالمجلس عن مذهب (أريوس) فيه، وحكموا بفساد عقيدته، وجعلوا لعنه ولعن من اتبعه، ضمن الصلوات فى جميع الكنائس.
وأما عيد باك (عيد الفصح) فقرروا وقته يوم الأحد الذى يعقب الهلال الجديد، الذى يهل بعد الاعتدال الخريفى، ونشر ذلك فى جميع أرجاء المملكة الرومانية.
(١) الصحيح «إثناسيوس». انظر: إدوارد جيبون: اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، ج ١، ص ٦١٨ - ٦٤٤. مع مراعاة ذلك عند تكرار الاسم.