للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان المظنون أن تطفأ بذلك نار الفتن، فلم يحصل، لأن طائفة (أريوس) لم تترك معتقدها، بل بقيت عليه وتمكنت فيه، واشتغلت بنشره، وترغيب الناس فيه وترجيحه، فثارت الفتن فى الديار المصرية. وصار أهل إسكندرية فريقين: فريق على مذهب (عطاناز)، وكان قد بلغ رتبة البطريقية، وفريق على مذهب (أريوس).

وأهل هذا المذهب، كانوا دائما ينظرون فى الأسباب التى تقوى مذهبهم، ويحتالون على استمالة قلوب الأمراء، والأعيان، وأرباب الكلمة، فبلغوا بذلك إلى قبول كلامهم لدى القيصر، وتكلموا فى حق البطريق بأمور مخلة، فغضب عليه، ونفاه إلى ناحية طريف من بلاد الأندلس، فأقام بها ستا وأربعين سنة، يتقلب بين أنواع الإساءة.

ومع هذا لم يزل متمسكا بمذهبه، مدافعا عنه، إلى أن رضى عنه القيصر (قسطنطين) سنة ٣٣٦، ورده إلى وطنه، فلم يقنع بذلك، بل دبر فى إزالة البطريق عن وظيفته، فجاءه هادم اللذات، فمنعه عن إتمام ما أضمر عليه فى تلك السنة.

وبقيت فرقته-بعد-تثير الفتن والشقاق، وكان فيهم كثير من أصحاب الكلمة، فبذلك لم تزل هذه الفرقة تزداد مدة ثلاثة قرون متوالية.

وكانت الديار المصرية، تتقلب فى ثياب الشعوذات الدينية، وخصوصا بدخول القياصرة ضمن هذه الفرق، واشتراكها معها.

ومن حين انقسام المملكة الرومانية بين (ولانتينيان (١) وأخيه (والنص (٢) سنة ٣٦٣، وانفصال مملكة قسطنطين من مملكة روما، واشتهارها بالمملكة الشرقية، اتسعت الفتن باستتباع كل من الأخوين فريقا، وعادى كل منهما أرباب المذهب الآخر، فكان بمصر (والنص) وهو تابع مذهب (أريوس)، فانحط قدر مذهب (عطاناز) وعدّ أتباعه خوارج، كفارا، وقست عليهم الحكام وأمراء الدين.

ومن تفرقهم واختفائهم فى بلاد الريف، لحق الأهالى ضرر لا مزيد عليه؛ فإنه كان


(١) الصحيح «فالنتينيان». انظر: اضمحلال الإمبراطورية الرومانية، ج ٢، ص ١٢٤،١٢٣،١٢١؛ ج ٣، ص ٢٩٧.
(٢) الصحيح «فالنز». انظر المرجع السابق، ج ١، ص ٦٣٠،٦٢٤.