والشيخ محمد هذا هو شهاب الدين محمد بن عمر. ولد بمكة سنة عشر ومائتين وألف، وحضر إلى القاهرة صغيرا، ونشأ بها وتعلم العلم والأدب، وتربى فى دار أهله، وكانوا أصحاب ثروة، فنشأ فى الرفاهية إلى أن نبغ فى الشعر، واشتهر به شهرة تامة، ومدح العلماء والوزراء والأمراء والأعيان، واشتهر أيضا بمعرفة الفنون الرياضية-كالحساب والموسيقى- ومن مشايخه الشيخ حسن العطار، والشيخ حسن القويسنى وغيرهما.
وله مؤلفات كثيرة منها:«الديوان الكبير» و «الديوان الصغير» والكتاب المسمى «سفينة الملك ونفيسة الفلك» اشتمل على بيان الموسيقى وتقسيمها وعلى الموشحات، ورتبها على اثنتى عشرة نوبة تشتمل على ثلاثين وصلة، بها ما ينيف على ثلثمائة موشحة يضربونها، وجعل لها قطيرة تشتمل على عشرة مجاديف: مجداف فى القصائد، ومجداف فى المقاطيع، ومجداف فى الدوبيت، ومجداف فى المواليا إلى آخر العشرة. وبالجملة فهو كتاب فريد فى بابه. وله عدة رسائل: رسالة فى التوحيد، وأخرى فى الوفق المئينى، وغير ذلك.
وأول ما أنشئت الوقائع المصرية كان أحد محرريها مع الشيخ حسن العطار قبل توليته مشيخة الأزهر، وكان معها الشيخ أحمد فارس صاحب «الجوائب» الآن بالآستانة العلية، وكان اسمه اذ ذاك فارس أفندى الشدياق، ثم لما تولى الشيخ العطار مشيخة الأزهر انفرد هو بالرياسة فى تحرير الوقائع، ثم أحيلت عليه رياسة تصحيح الكتب بالمطبعة الكبرى الميرية، واستمر على ذلك إلى أن اختص به الوزير صاحب الديار المصرية سابقا المرحوم الحاج عباس باشا حلمى، فقرّ به منه، وصار نديما عنده، ولازمه فى أسفاره وإقامته إلى أن توفى الوزير المذكور فى اليوم السابع عشر من شوال سنة سبعين ومائتين وألف، فلزم داره وترتب له بالروزنامة ما كان جاريا عليه من الماهية أيام خدامته، وكان عبارة عن ألف قرش وخمسمائة عملة ديوانية، ولم يزل كذلك فى داره مقيما تتوارد عليه الناس لزيارته والأنس به إلى أن توفى فى جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين عن اثنتين وستين سنة، ودفن خارج باب النصر، رحم الله الجميع. (انتهى).
وهذا ما تيسر لنا من الكلام على درب البزازرة قديما وحديثا.