للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترجمة الأمير طوسون باشا]

وطوسون باشا المذكور هو - كما فى الجبرتى - المقرّ الكريم المخدوم أحمد باشا الشهير بطوسون ابن حضرة الوزير محمد على باشا مالك الأقاليم المصرية والأقطار الحجازية والثغور وما أضيف إليها. سافر المترجم إلى البلاد الحجازية، وحارب الوهابية، فكانت النصرة له. ولما عاد إلى مصر أراد أن يسافر إلى جهة رشيد، فأخذ العساكر وسافر إلى جهة الحمّاد، وجعل عرضى خيامه هناك، وصار يتنقل من العرضىّ إلى رشيد ثم إلى برنبال وأبى منضور والعزب، وكان صحبته من مصر أرباب الآلات المطربة المغنين، وهم إبراهيم الورّاق والحبّابى وقشوة ومن يصحبهم من باقى رفقائهم، ثم ذهب ببعض خواصه إلى رشيد ومعه الجماعة المذكورون فأقام أياما، وحضر إليه من جهة الروم جوار وغلمان رقّاصون، فانتقل بهم إلى قصر برنبال، ففى ليلة حلوله بها نزل به ما نزل من المقدور، فتمرّض بالطاعون، وتململ به نحو العشر ساعات، وانقضى نحبه، وذلك ليلة الأحد سابع شهر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف، وحضره خليل أفندى قوللى حاكم رشيد.

وعندما خرجت روحه انتفخ جسمه، وتغيّر لونه، فغسّلوه وكفّنوه، ووضعوه فى صندوق، ووصلوا به فى السفينة منتصف ليلة الأربعاء عاشره. وكان والده بالجيزة فلم يتجاسروا على إخباره، فذهب إليه أحمد أغا أخو كتخدا بيك، فلما علم بوصوله ليلا استنكر حضوره فى ذلك الوقت، فأخبره عنه أنه ورد إلى شبرا متوعكا، فركب فى الحين القنجة، وانحدر إلى شبرا، وطلع إلى القصر، وصار يمر بالمخادع ويقول: أين هو؟ فلم يتجاسر أحد أن يخبره بموته. وكانوا ذهبوا به وهو فى السفينة إلى بولاق، ورسوا به عند الترسخانة.

وأقبل كتخدا بيك على الباشا فرآه يبكى، فانزعج انزعاجا شديدا، ونزل السفينة، فأتى بولاق آخر الليل، وانطلقت الرسل لإخبار الأعيان، فركبوا بأجمعهم إلى بولاق، وحضر القاضى والأشباخ، والسيد المحروقى، ثم نصبوا تظلكا ساترا على السفينة، وأخرجوا النعش، ونصبوا عودا عند رأسه وضعوا عليه تاج الوزارة المسمى بالطلخان، وانجروا بالجنازة من غير ترتيب، والجميع مشاة أمامه وخلفه، وليس فيها من جوقات الجنائز المعتادة - كالفقهاء وأولاد المكاتب والأحزاب - شئ من ساحل بولاق على طريق المدابغ وباب الخرق على الدرب الأحمر على التبّانة إلى الرميلة، فصلوا عليه بمصلى المؤمنى، وذهبوا به إلى المدفن الذى أعدّه الباشا لنفسه ولموتاه.

كل هذه المسافة ووالده خلف نعشه ينظر إليه ويبكى. ومع الجنازة أربعة حمير تحمل القروش وربعيات الذهب ودراهم أنصاف عددية ينثرون منها على الأرض، وساقوا أمام