أقول وهذا إنما هو فى اللبخ، وسبق الكلام عليه فى أنصنا، وفى كتب الأقباط أنه كان فى دير قلمون المذكور برجان مبنيان من الحجر على هيئة صرحين عظيمين ارتفاعهما شاهق، وبياضهما ساطع، وكان فى داخله عين جارية، وفى خارجه عين أخرى، وفى وادى قلمون عدد كثير من محال الزهاد السائحين، وفيه أيضا واد صغير يسمى:(إمليح) ترويه عين ماء عذبة فاترة، ويظلله كثير من النخيل، وبجوار (دير مارى قلمون) ملاحة تبع الرهبان، ملحها لسكان خط قلمون.
وقال أبو صلاح: كان ما يتحصل من تلك الملاحة كل سنة مائتى ألف أردب وثلاثة آلاف أردب ملحا، ومن نخله مائتى أردب من التمر. انتهى.
وكنيسة هذا الدير واسعة وهى باسم (مريم العذراء) وكان فى داخل الدير نخيل وزيتون، وكنائس وأبنية عالية مشرفة على الغيطان، ويحيط به سور مستدير، وعلى سطحه مقعد معد لجلوس خفير من الرهبان يكشف لهم خبر من يرد إلى ذلك الدير، اذا رأى أحدا مقبلا يخبرهم به بضرب ناقوس، ينوع ضرباته على حسب حال المقبل من عسكرى أو أمير أو غيرهما ليكرموه بما يليق به، وكان أيضا فى داخل دير قلمون، عين ماء ملح تجرى بلا انقطاع، وتصب فى حوض عظيم، كان يصطاد منه فى أى وقت سمك بلطى أسود اللون طيب الطعم، وفى زمن الشتاء يكون الماء قليلا بذلك الحوض، ومنه تشرب الرهبان.
وباب الدير فى غاية المتانة، مكسوّ بصفائح الحديد، وتجاه دير قلمون جبل يقال له (ريان) كان رئيس الدير يذهب إليه كثيرا. وفى حوادث سنة أربع وتسعين وثمانمائة من تاريخ شهداء النصارى، وهو تاريخ الأقباط كان بذلك الدير مائتان من الرهبان.